السبت، 22 ديسمبر 2012

الخلاف بين ابن حيان وابن تيمية


ابو حيان الأندلسي


ومنهم الشيخ الامام العلامة علم القراء استاذ النحاة والأدباء جمال المفسرين أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن
حيان النفزي الأندلسي الجياني ثم الغرناطي ثم المصري الظاهري .
ولد بمطخشارش من غرناطة قاعدة بلاد الأندلس في العشر الاخير من شوال سنة أربع وخمسين وستمائة ارتحل في أول سنة تسع وسبعين وحج فيها ولقي الشيوخ وأجاز له خلق منهم الخطيب يوسف بن ابراهيم ابن أبي ريحانة الاندلسي وهو أقدم من أجاز له ومنهم أبو الحسن علي بن البخاري وتوفي في الثاني والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بعد أن أضر في آخر عمره.
قال القاضي أبو العباس أحمد بن أبي المفضل يحيى بن فضل الله العمري ولما سافر ابن تيمية على البريد إلى مصر سنة سبعمائة نزل عند عمي شرف الدين رحمه الله وحض أهل مصر على الجهاد في سبيل الله وأغلظ في القول للسلطان والامراء ثم رتب له في مدة مقامه بالقاهرة في كل يوم دينار ومخفية وجاءته بقجة قماش فلم يقبل من ذلك شيئا قال
وحضر عنده شيخنا أبو حيان وكان علامة وقته في النحو فقال ما رأت عيناي مثل ابن تيمية ثم مدحه على البديهة في المجلس
لما اتينا تقي الدين لاح لنا % داع إلى الله فرد ماله وزر
على محياه من سيما الألى صحبوا % خير البرية نور دونه القمر
حبر تسربل منه دهره حبرا % بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا % مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فاظهر الحق إذ آثاره درست % وأخمد الشر إذ طارت له شرر
كنا نحدث عن حبر يجيء فها % أنت الامام الذي قد كان ينتظر .
قال ثم دار بينهما كلام فيه ذكر سيبويه فقال ابن تيمية فيه كلاما نافره عليه ابو حيان وقطعه بسببه ثم عاد من اكثر الناس ذما له واتخذه له ذنبا لا يغفر انتهى .
وهذه الابيات كتبها الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بخطه ونقلها من خطه المحدث أبو نصر محمد بن طولوبغا وبخطه وجدتها ووجدتها أيضا بخط الحافظ أبي عبد الله الذهبي لكن البيت الخامس منها
فاظهر الحق إذ آثاره درس % وأخمد الشر إذ طارت به الشرر
وباقي الابيات سواء قال الشيخ زين الدين ابن رجب في كتابه الطبقات عن هذه الابيات قال ويقال إن أبا حيان لم يقل أبياتا خيرا منها ولا أفحل. انتهى .
ووجدتها أيضا بخط شيخنا الحافظ أبي بكر محمد بن المحب وقرأها على أبي حيان عرضا فإن شيخنا لما حج في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة إجتمع بأبي حيان بمكة زادها الله شرفا وسمع من لفظه جزءا من فوائده في أوله اناشيد غزلية من نظمه أخر ابو حيان قراءتها أولا ثم قرأها آخر الجزء واعتذر عن قراءتها فيما قاله شيخنا في تلك البقعة الشريفة مما لا عذر له فيه إلا من جنس عذره لنظمه لذلك .
وقرأ شيخنا أيضا على ابي حيان أحاديث عدة من مروياته في يوم الأحد سادس ذي الحجة من السنة.
وأوقف أبا حيان على هذه الأبيات التي مدح بها الشيخ تقي الدين عرضها عليد فقال قد كشطتها من ديواني ولا أثني عليه بخير وقال ناظرته فذكرت له كلام سيبويه فقال يفشر سيبويه قال يعني ابا حيان وهذا لا يستحق الخطاب انتهى .
وهذه القصة ذكرها الحافظ العلامة أبو الفداء اسماعيل بن كثير في تاريخه وهي أن أبا حيان تكلم مع الشيخ تقي الدين في مسألة في النحو فقطعه ابن تيمية فيها وألزمه الحجة فذكر ابو حيان كلام سيبويه فقال ابن تيمية يفشر سيبويه أسيبويه نبي النحو أرسله الله به حتى يكون معصوما سيبويه أخطأ في القرآن في ثمانين موضعا لا تفهمها أنت ولا هو هذا الكلام أو نحوه على ما سمعته من جماعة أخبروا به عن هذه الواقعة
وقد كان ابن تيمية لا تأخذه في الحق لومة لائم وليس عنده مداهنة وكان مادحه وذامه عنده في الحق سواء انتهى.
لكن بعد موت الشيخ تقي الدين رحمة الله عليه رثاه بعض المصريين بقصيدة وعرضها على أبي حيان فسمعها منه وأقره عليها قال ابن عبد الهادي في ترجمة الشيخ تقي الدين المفردة حين ذكر مراثيه قال ومنها قصيدة لرجل جندي من أهل مصر أرسلها وذكر أنه عرضها على الامام أبي حيان النحوي وهي هذه
خطب دنا فبكى له الاسلام % وبكت لعظم بكائه الايام
وذكر القصيدة ومنها
بحر العلوم وكنز كل فصيلة % في الدهر فرد في الزمان إمام
ومنها
والسنة البيضاء أحيا ميتها % فغدت عليها حرمة وزمام
وأمات من بدع الضلال عوائدا % لا يستطيع لدفعها الصمصام
فلئن تأخر في القرون لثامن % فلقد تقدم في العلوم أمام.
قلت وناظم هذه القصيدة يقال له بدر الدين ابن عز الدين المغيثي رحمه الله تعالى وأراه محمد بن عبد العزيز بن كمال الدين عبد الرحيم المارديني الصفار وكان والده عز الدين من خواص أصحاب الشيخ تقي الدين وكتب ابنه بدر الدين المذكور مصنف الشيخ في الرد على الرافضي في ست مجلدات هي عندي بخطه يترجم الشيخ في أوائل كل جزء بترجمة بليغة من ذلك قوله في حاشية الجزء الاول فيما وجدته بخطه تأليف شيخ
الاسلام والمسلمين القائم ببيان الحق ونصر الدين الداعي الى الله ورسوله المجاهد في سبيله الذي اضحك الله به من الدين ما كان عابسا وأحيا من السنة ما كان دارسا والنور الذي أطلعه الله في ليل الشبهات فكشف به غياهب الظلمات وفتح به من القلوب مقفلها وأزاح به عن النفوس عللها فقمع به زيغ الزائغين وشك الشاكين وانتحال المبطلين وصدقت به بشارة رسول رب العالمين بقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها وبقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين.

وهو الشيخ الامام العلامة الزاهد العابد الخاشع الناسك الحافظ المتبع تقي الدين ابو العباس احمد ابن الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام أبي المحاسن عبد الحليم ابن شيخ الاسلام مفتي الفرق علامة الدنيا مجد الدين عبد السلام ابن الشيخ الامام العلامة الكبير شيخ الاسلام فخر الدين عبد الله ابن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه ثم كتب ابن عز الدين المذكور مقابل الترجمة نقلت هذه الترجمة من خط محمد ابن قيم الجوزية انتهى