السبت، 11 أبريل 2020

ابطال ما نسب لابن تيمية أنه اعتذر لابن المطهر


بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا هو العلي العظيم ، وأن محمداً عبده ورسوله النبي الصادق الأمين ، ثم أما بعد :

فلقد أرسل أخي الكريمإبراهيم بن الطيب داود " عبر موقع التواصل الإجتماعي " facebook " ما نصه :
السلام عليكم
حياكم الله ، جاء في  الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (طبعة حيدر آباد، ج2، ص72) ما لفظه بخط السخاوي: «قال لي شيخنا تغمده الله برحمته - ابن حجر -: انه بلغه ان ابن المطهر (الحلي) لما حج اجتمع هو وابن تيمية وتذاكرا، واعجب ابن تيمية كلامه، فقال له: من تكون يا هذا؟ فقال: الذى تسميه ابن المنجس، فحصل بينهما انس ومباسطة
هل سبق و اطلعت على مدى  صحة هَذَا النقل ، و ما موقف أهل العلم منه؟؟ " انتهى .

وقد أجبته إجابة عامة أحببت أن أتتممها في مقالة مفردة لدفع هذه الشبهة و إبطالها ، وجعلت الكلام عبر نقاط مرتبة مبنية بعضها على بعض وهي كما يلي :

أولاً : لاشك أن الدفاع عن أهل العلم - أهل البروز منهم خاصةمطلب مهم ومسلك عزيز ، بل عده الطحاوي من جملة معتقد أهل السنة في حكايته لها فقال [ صفحة 82 ] : (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل (
قال ابن أبي العز في شرحه لكلام الطحاوي رحمهما الله  : (فيجب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصاً الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يهدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم علماؤها شرارها، إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول من أمته، والمحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ... فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق، وتبليغ ما أرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا، فرضي الله عنهم وأرضاهم )
ويكفينا قول الله تعالى  {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ الزمر : 9 ]
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في جامع الترمذي [2606 ] :  ( وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (
ومع ذلك كله فإن الاستدلال يكون لكلامهم لا به ، ورحمة الله على شيخ الإسلام ونوّر الله ضريحه كان قد قال( ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد ، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ، ومن خالف ذلك كان مبتدعاً عند أهل السنة والجماعة ) [منهاج السنة / جـ 2 : صـ 482]
وقال أيضاً : (  وأما الاعتقاد فلا يؤخذ عنّي ، ولا عمّن هو أكبر منّي ، بل يؤخذ عن الله ، و رسوله صلى الله عليه وسلم ، و ما أجمع عليه سلف الأمّة .فما كان في القرآن وَجَبَ اعتقاده ، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة ) [ مجموع الفتاوى / ( 3/160 ) ]

فابتداءً نقول : وهمت يا من ظننت أن أهل السنة يعتمدون على ابن تيمية في مسائل الاعتقاد فلا هو من أنشأها ولا من أصدرها ولكنه من الذين قرروها ونصروها وشرحوها ، وعلى جلالة قدره وعلو منزلته ورفعته فإن أهل السنة يردون خطأه إذا ثبت عنه ذلك الخطأ ولا يُحتج عليهم بحال بخطأ واحد من أهل العلم من أصحاب الأثر و الاتباع ، قال الإمام الذهبي : (  ثم إن الكبير من العلماء إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه ولا نضلله ولا نطرحه وننسى محاسنه, نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك ). (السير 5/ ص 279)

وقد أشاع هذه الرواية التي ذكرت في السؤال صنفان من الناس :
-     أهل الرفض و التشيع ! ليقولوا أن ابن تيمية عاد عما قرره في منهاج السنة ، وهذا كذب وجهل وخيالات بعيدة ! وما قالوا الذي قالوا إلا لعجزهم عن دفع البراهين القوية و الأدلة الرصينة التي أبطل بها ابن تيمية مذهبهم ، وسبقهم إلى هذا ابن المنجس نفسه ! إذ قاليقصد ابن تيمية ! – أنه لو كان يفهم كلامه لردت عليه ! بل نقول : لو كنت تقدر على رد كلامه بأي شيء لرددت عليه ! ولكنه أفلسك وشنع بك وفضحك على الأشهاد .
 
-     وأهل الميوعة من الذين ينادون بالتقارب مع أهل البدع ، لما أعياهم أهل السنة بأدلتهم القاضية بمجانبة أهل البدع وقهرهم و إذلالهم استروحوا إلى مثل هذه الأباطيل ينشرونها و يسلون بها أنفسهم .

ثانياً : وهو أوان الشروع في الرد :
نقول : لم نعثر في كتب التراجم أن ابن تيمية حج إلا حجة واحدة كانت في عام [ 692 هـ ] كما ذكر ابن كثير في البداية و النهاية فقال [ 13 / 392 ] : ( وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله )
ومعلوم أن مولد شيخ الإسلام كان في (661 هـ) فيكون قد حج وعمره 31 سنة
وفي الجامع من سيرة شيخ الإسلام ذُكر عن ابن عبد الهادي أنه حج في [ 691 هـ ] فيكون عمره 30 سنة ، ولا يعرف أن ابن تيمية حج غير هذه الحجة .
وهو كان قد ألف منهاج السنة حوالي سنة [ 710 هـ ] ذلك أنه ألفه رداً على منهاج الكرامة الذي كتبه ابن المنجس لخدابنداه وهذا ولي في [ 703 هـ ] ومال إلى الترفض في [ 709 هـ ] بسبب ابن المنجس هذا وكتابه .
أي أن ابن تيمية كتب كتابه منهاج السنة بعد حجه بحوالي ثماني عشرة سنة !! فمتى التقى بابن المنجس هذا ؟! وفي أي حج كان ذلك ؟!
 
ثالثاً : بل إن ابن المنجس نفسه لم يحج إلا حجة واحدة كانت في آخر عمره كما ذكر ابن حجر نفسه في الدرر الكامنة [2 / 189 ] وغيره ممن ترجموا له وكان قد هلك في [ 726 هـ ] وابن تيمية حج قبل هذا بأربع وثلاثين سنة !! فبأي حج تلاقيا ؟! وكان بين حجتيهما هذا التفاوت الكبير ؟!

رابعاً إن ابن حجر رحمة الله عليه ينقل الكلام ويعتمد على البلاغ ! فيقول [ بلغني ... ] ومعلوم أن هذا في باب الإخبار ليس بشيء ! فما مصدر البلاغ ؟! وهلا أظهره لننظر فيه فنعرف قيمته ؟
ثم إن هذا البلاغ مُتَفَرَدٌ به ! فغاية أن يكون شذوذاً في الإخبار أو نكارة ! لم يحكها من توسع في ترجمة شيخ الإسلام من ثقات طلابة و عدول أصحابه ، بل تخالف ما عليه شيخ الإسلام نفسه في كتبه ومصنفاته و دواوينه الكثيرة التي شنع بها على الروافض و شرد بهم .
وكان ابن حجر رحمة الله عليه ينقل في درره أخباراً شاذة وحكايات منكرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة عزا أكثرها إلى الآقشهري وهو مجهول يخالف ما أثبته من هو أوثق منه و أعرف منه بشيخ الإسلام رحمة الله عليه ، فليست روايته بشيء ينتهض به أو يلتفت إليه .
ولا ريب أن البلاغ من قسم الضعيف حتى يبان عن إسناده فإن بين ابن حجر وبين ابن تيمية من السنين ما بينهما .

أخيراً كما قال أخي السائل نفسه بعد مباحثتنا في الأمر :  ( هذا إن صح أصلا نسبته إلى ابن حجر، و فالكلام جاء في حاشيَّة الدرر الكامنة )
فهذا أمر آخر وهو النهوض إلى إثبات أن هذا من كلام ابن حجر نفسه ! ويطالب به من يستند على هذه الحكاية لتقرير ما يريد ، فإن أثبتها عنه أجبناه بما سبق ، و إن عجز قلنا الحكاية ساقطة من رأسها ، فلا تكلف في دفعها حينئذ .

و الله الموفق
و الحمد لله رب العالمين

المصدر