الأحد، 14 فبراير 2021

 

رد شبهات (النور) حول كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

 

 

بقلم

عبدالغفار محمد

عفا الله عنه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:

وقفت في أحد المنتديات على الشبكة العنكبوتية[1] لمشاركات تسمى صاحبها بـ (النور)، ذكر فيها بعض مقاطع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ظنا منه – وبعض الظن إثم – أنها مؤيدة للصوفية ومنهجها، وعلى ضوءها حكم على ابن تيمية بأنه "صوفي ذائق، ومقدس للصوفية"، وقام بالتبكيت على الإخوة السلفيين في منتدى الساحة، ومتحديا لهم دفع ما أورده عليهم، وبعد استعراض ما أورده هذا المجهول المتسمي بالنور، اتضح أن عنده مشكال عويصة حدت إلى هذه الشبه وهي:

أولا: مشكلة بتره النصوص من كلام الشيخ.

ثانيا: مشكلة عدم تدبره للسابق واللاحق من الكلام المستقطع، والظاهر استعجاله وقديما قال الشاعر:

قد يدرك المتأني بعض حاجته   وقد يكون مع المستعجل الزلل

ثالثا: مشكلة عدم الفهم، والتعالم.

رابعا: وأعظم من ذلك كله هو جعله بفهمه القاصر التصوف أصل والكتاب والسنة فرع.

وحيث أن من ناقشة من الإخوة المنتمين للسلف قلة، لكثرة ما أورد عليهم من شبه فظن بذلك أنه قد بَزَّهم واسكتهم، ثم جُمدت مشاركاته في موقع الساحة، فزاده هذا غرورا، حتى قال: "ومتى ما فُكّت القيود عن مُشاركاتي فلن أُبقي تكفيرياً في الساحة بإذن الله".

وهذا القول منه ذكرني بما دار بين الشاعرين الأمويين جرير والفرزق، حيث زعم الأخير أنه سيقتل مربعا، كما ذكرنيه أيضا موقع الفرزدقي الصوفي، الذي أثبت هذه المشاركات في الصفحة الأولى، لإثبات أن السلفيين ما استطاعوا دفع هذه الشبه، قال الشاعر جرير:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا   أبشر بطول سلامة يا مربع

وقد وفقني الله عزوجل لجمع شُبهه ودراستها ومعرفة مايريد إثباته تعالما، فأثبتنا خلافه ديانة ونصيحة من كلام ابن تيمية نفسه، وقد أطلت النفس في بعض الردود لمقتضى الحال وتفنيد الشبهة على المخالف.

فما كان فيه من صواب فالحمد لله على توفيقه، وماكان من سهو أو خطأ أو نسيان فمن نفسي والشيطان، وهذا جهد المقل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الأولى: الأولياء يدبرون العالم ويتصرفون فيه

قال المخالف: (إن كانت الملائكة يقومون بنفع الخلق و تدبير العالم، فإن صالح البشر لهم مثل ذلك وأكثر منه)

ثم قال: (عودة مع ابن تيمية و المقدّسين إليه . ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً. استمتع بتأويل و تفسير ما أشكل من كلامهم. خَاض البَحر الذي وقف عنده المُقدِّسين للصُوفية. تكلّم في إِشاراتهم وعِباراتهم .. مُريد شَيخ شَطحات مَقامات.

"سُبحاني - مافي الجُبّة - انصب خيمتي على باب جهنّم"

كُل ذلك حقّقه وأجاد بكلام لم يسبق له مثيل.

وعُذراً للإخوة الذين يرون خلاف ما أرى فجميع مُشاركاتي فقط لتوضيح الرأي الآخر، ومتى ما فُكّت القيود عن مُشاركاتي فلن أُبقي تكفيرياً في الساحة بإذن الله).

ثم ساق المتعالم المتسمي بالنور كلام شيخ الإسلام ما نصه:

"إن علماء الآدمين مع وجود المنافى والمضاد أحسن وافضل، ثم هم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، وأما النفع المتعدى والنفع للخلق وتدبير العالم فقد قالوا: هم تجرى أرزاق العباد على أيديهم، وينزلون بالعلوم والوحي ويحفظون ويمسكون وغير ذلك من افعال الملائكة؟

والجواب: إن صالح البشر لهم مثل ذلك واكثر منه ويكفيك من ذلك شفاعة الشافع المشفع فى المذنبين وشفاعته فى البشر كى يحاسبوا وشفاعته فى أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة. ثم بعد ذلك تقع شفاعة الملائكة وأين هم من قوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وأين هم عن الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وأين هم ممن يدعون الى الهدى ودين الحق ومن سن سنة حسنة.

واين هم من قوله r (أن من أمتى من يشفع فى أكثر من ربيعة ومضر).

وأين هم من الأقطاب والأوتاد والاغواث والابدال والنجباء فهذا هداك الله وجه التفضيل بالاسباب المعلومة ذكرنا منه أنموذجا".[2]

ثم قال المخالف:

هل يجوز الآن أن نقول أن للأولياء القّدرة على تدبير العالم ؟!

هل من الممكن الآن أن نغيّر فتوى التحريم لفتوى تحليل تتوافق مع ابن تيمية ؟!

هل آن لنا أن نعلم أن ابن تيمية صوفي ذائق ؟!!

رد الشبة

لم يسق المخالف سبب إيراده هذا الكلام، وما وجه إنكاره على السلفيين، ثم هذا الكلام قاله ابن تيمية في سياق كلام طويل لنقاش مسألة مشهورة بين الناس فى التفضيل بين الملائكة والناس ولا شأن للتصوف به، وهو قول صحيح لا شبهة فيه في الأولياء الصالحين الأحياء وليس الأموات، كما تعتقد الصوفية في نفع الأولياء الأموات.

كما لم يتعرض المخالف لصفات هؤلاء الذي رزقهم الله هذه الصفات من نفع الخلق وتدبير العالم؟

وما قاله ابن تيمية رحمه الله له لم يكن من عند نفسه أو لكونه صوفيا ذائقا، بل هو من الدين وصريح صحيح نصوص السنة، وفي ذلك أمور منها:

·       مكانة الولي العظيمة عند ربه

كما في الحديث القدسي: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).[3]

فإذا كان هذا حال الولي مع ربه سبحانه، أفيبخل عليه سبحانه بإستنزال النصر والغيث، وإبرار قسمه واستجابة دعائه في الحال وتحقيق شفاعته، وجعل حرمته أعظم من بيته الحرام، وأن يُتَوسل به إلى الله وهو حي وأن يخرق له العادات.

أمور أثبتها الشرع الحنيف للولي الحي الصادق، وخالف الصوفية فأثبتت ما سبق للولي الميت؟؟.

ومما أثبته الشرع الحنيف للولي الحي من تصريف في الكون ونحوه بقوة الله ومشيئته أمور:

أولا: تنزل النصر والرزق بسببه

(رَأَى سَعْدٌ t أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ r هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بِضُعَفَائِكُمْ).[4]

ثاني: إبرار قسمه

عن أنس قال: (أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَأَتَوُا النَّبِيَّ r فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ النَّبِيُّ r إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).[5]

وفي رواية من حديث أبي هريرة ولفظه:

 (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).[6]

وممن أبر الله قسمه البراء بن مالك رضي الله عنه.

ثالثا: حرمة الولي أعظم من الكعبة

عن ابن عمر قال: (صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فإنه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ قَالَ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ).[7]

فهذا هو الإسلام وليس تصوفا، والأحاديث في هذا كثيرة تدل على القوة الخارقة التي وهبها الله عزوجل للولي المؤمن، بل وتدل على قدرته الخارقة المخالفة لأمور الطبيعة، ومن هذه القوى ما حصل من كرامات لبعض الخُلّص من المؤمنين من عهد الصحابة فمن بعدهم:

كما حصل مع العلاء بن الحضرمي ومَشْيه على الماء هو من معه، واستجابة دعاء العباس لاستنزال المطر وقبول توسل عمر به، ومثله حصل مع معاوية، وفضل أويس القرني، ومثله كثير في حياة الأولياء الأحياء.

 أما عقيدة الصوفية التي ينافح عنها المخالف، فتجاوزت الأحياء إلى الأموات، وجعلت لهم من القدرات والخوارق في تدبير شؤون هذا الكون ما يرفضه الشرع المطهر، وهذا من البدع المحدثة في الأمة الإسلامية التي أورثت الناس التبرك بالأولياء الأموات والإعتقاد في تصريفهم الكون ونحوه مما هو مبسوط في كتبهم.

قال ابن تيمية رحمه الله: "بلغنى عن بعض السلف أنه قال ما ابتدع قوم بدعة إلا فى القرآن ما يردها ولكن لا يعلمون".[8]

وقال أيضا: "حقيقة الملك والطبيعة الملكية أفضل، أم حقيقة البشر والطبيعة البشرية، وهذا كما أنا نعلم أن حقيقة الحى اذ هو حى أفضل من الميت، وحقيقة القوة والعلم من حيث هو كذلك أفضل من حقيقة الضعف والجهل، وحقيقة الذكر افضل من حيث الأنثى".[9]

فانظر بارك الله فيك إلى إعتقاد القوم في أمواتهم، كالحلاج والسهروردي المقتول وابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وغيرهم من أرباب القول بوحدة الوجود والحلول والإتحاد.

أما قول المخالف ما نصه:

(هل يجوز الآن أن نقول أن للأولياء القّدرة على تدبير العالم ؟! هل من الممكن الآن أن نغيّر فتوى التحريم لفتوى تحليل تتوافق مع ابن تيمية ؟! هل آن لنا أن نعلم أن ابن تيمية صوفي ذائق ؟!!).

فأقول: ومن منع ما وهبه الشرع المطهر للولي الحي، كما أنه لم يذكر فتوى التحريم التي زعم وما هي؟

وأما قوله أن ابن تيمية صوفي ذائق؟ فهذا ضرب من الخبال، فابن تيمية عالم رباني سائر على منهج سلف الأمة، زاهد عرف معنى الزهد فعاشه واقعا، فذاق من خلاله طعم العبودية لله، فسلك به طريق الجنة للحوق بركب الأنبياء والصديقين والأولياء، فضحى بكل شيء في سبيل ذلك وجاهد في سبيل الله ودينه باليراع واللسان والسنان، فلم يخشى في الله لومة لائم حتى مات في سبيل ذلك مسجونا رحمه الله؟

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الثانية: البدعة الحسنة

قال المخالف: (إِبْن تَيْمِيَة الصُوفِي القَادِري يُقِرُّ بِالبِدْعَة الحَسَنةْ)

ثم نقل من كلامه من منهاج السنة: " قيل لهم: فمن أين لكم أن عثمان فعل هذا بغير دليل شرعي وإن عليا قاتل أهل القبلة بدليل شرعي؟ وأيضا فإن علي بن أبي طالب t أحدث في خلافته العيد الثاني بالجامع؟ فإن السنة المعروفة على عهد رسول الله r وأبي بكر وعمر وعثمان، أنه لا يصلي في المصر إلا جمعة واحدة، ولا يصلى يوم النحر والفطر إلا عيد واحد، والجمعة كانوا يصلونها في المسجد والعيد يصلونه بالصحراء، وكان النبي r يخطب يوم الجمعة وعرفة قبل الصلاة وفي العيد بعد الصلاة، واختلف عنه في الاستسقاء فلما كان على عهد علي قيل له إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون…".[10]

رد الشبهة

قال مقيده عفا الله عنه: ليس في كلامه ما يؤيد ما ذهب إليه المخالف من دعوى إقرار ابن تيمية بالبدعة الحسنة، وليس هنا بدعة حسنة أو سيئة، بل هو اجتهاد خليفة نص النبي r على اتباع سنته، وهو لم يبتدع في الدين وإنما كانت صلاة العيد في الصحراء، وكان هو إماما المسلمين، وكما قال ابن تيمية:

"فلما كان على عهد علي قيل له إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون الخروج إلى المصلى، فاستخلف عليهم رجلا صلى بالناس بالمسجد، قيل إنه صلى ركعتين بتكبير وقيل بل صلى أربعا بلا تكبير".[11]

فهذا ليس فيه ابتداع، بل كل ما هنالك أنه أَذِن لعجزة الناس بأداء صلاة العيد في جامعهم القريب منهم رحمة بهم، حتى لا يتكلفوا المشاق للخروج للصحراء وقد أصاب t فله في ذلك أجران.

ولو ألزمنا المسلمين اليوم بصلاة العيد في الصحراء لشق عليهم ذلك، ولا يخفى أنه يخرج لها النساء العواتق وذوات الخدور والحيض منهن كما في البخاري وغيره.

فكان هذا إجتهادا موفقا من الخليفة الرابع المنصوص من النبي r على إتباعه، فلم يبتدع t في أصل العبادة، وهذا الإجتهاد هو ما قصده ابن تيمية بقوله : (أحدث في خلافته العيد الثاني بالجامع)، وذلك حتى لا يحرم العجزة فضيلة صلاة العيد المشروعة لمشقة المكان.

والصلاة في الجامع أمر أوجبه الشارع وحث عليه، وهو بخلاف الإحداث الموجود عند الطرقية، كالعكوف عند القبور والأضرحة وبناء المساجد عليها، وما يحصل حولها من أمور ومخالفات لأبسط قواعد الشريعة، والأذكار المخترعة من قبل أرباب الطرق التي تلقن للمريدين.

البدعة الحسنة في نظر ابن تيمية

قال ابن تيمية: "وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة، فهى بدعة سيئة وهى ضلالة باتفاق المسلمين، ومن قال فى بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعى أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين أنها من الحسنات التى يتقرب بها الى الله".[12]

 وقال أيضا: "ومعلوم أن كلما لم يسنه ولا إستحبه رسول الله r ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم المسلمون فى دينهم فإنه يكون من البدع المنكرات ولا يقول أحد فى مثل هذا إنه بدعة حسنة إذا.

البدعة الحسنة: عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة لابد أن يستحبها أحد من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويقوم دليل شرعى على إستحبابها، وكذلك من يقول: البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله r فى الحديث الصحيح (كل بدعة ضلالة)، ويقول قول عمر فى التراويح: (نعمت البدعة هذه)، إنما أسماها بدعة بإعتبار وضع اللغة، فالبدعة فى الشرع عند هؤلاء: ما لم يقم دليل شرعى على إستحبابه ومآل القولين واحد، إذ هم متفقون على أن مالم يستحب أو يجب من الشرع فليس بواجب ولا مستحب، فمن إتخذ عملا من الأعمال عبادة ودينا وليس ذلك فى الشريعة واجبا ولا مستحبا فهو ضال بإتفاق المسلمين".[13]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبه الثالثة: مقام الصديقية الخاص بالصوفية

قال المخالف: (مقام الصديقية الخاص بالصوفية، "الصوفية من أكمل صديقي زمانهم").

ثم نقل من كلام ابن تيمية ما نصه: "ثم التصوف عندهم له حقائق وأحوال معروفة، قد تكلموا فى حدوده وسيرته وأخلاقه كقول بعضهم: الصوفى من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر، التصوف كتمان المعانى وترك الدعاوى واشباه ذلك، وهم يسيرون بالصوفى معنى الصديق، وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون، كما قال الله تعالى: {أولئك الذين انعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}، ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفى، لكن هو فى الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذى اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذى اجتهدوا فيه، فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال: صديقو العلماء وصديقو الأمراء، فهو أخص من الصديق المطلق ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين أنهم صديقون، فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضا، كل بحسب الطريق الذى سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده، وقد يكونون من أجلّ الصديقين بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقى زمانهم والصديق فى العصر الأول أكمل منهم، والصديقون درجات وانواع ولهذا يوجد لكل منهم صنف من الأحوال والعبادات حققه واحكمه وغلب عليه".[14]

رد الشبهة

كلامه المخالف سفسطة من القول، إذ ابن تيمية رحمه الله كان يتكلم على بدايات التصوف وأهله، وانصفهم على طريقته الوسط في نقد المخالف، من ذكر محسانهم ومثالبهم وموافقاتهم للشرع ومخالفاتهم، فظن المخالف - وبعض الظن إثم - من بعض عبارات الثناء، أن ابن تيمية صوفي متذوق.

والمخالف نقل كلامه مبتورا، إذ بقيته تبين مقصوده وليس كما ظن المخالف، فلا يفرح لأن الله لا يحب الفرحين.

وهناك عبارتان من كلام ابن تيمية ركز عليها المخالف وغرته:

العبارة الأولى: قوله: "هو فى الحقيقة نوع من الصديقين فهو الصديق الذى اختص بالزهد والعبادة".

قال مقيده عفا الله عنه: كلام ابن تيمية بعده يبين مقصوده، وهو أن الصديقية عند الصوفية القدامى لا عموم الصديقية فقال: "فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال صديقو العلماء .......الخ".

العبارة الثانية: قوله: " فهم من أكمل صديقى زمانهم والصديق".

قلت: وهو ظاهر في أنه الصوفية القدامى، والقيد بصديقي ذاك الزمان فقط وليس في كل الأزمنة.

تكلم ابن تيمية عن التصوف في القرون الثلاثة الأوَل، وإنه اشتهر التكلم به بعد ذلك، ثم ذكر التنازع في معنى الصوفي، وتكلم على أول ظهور التصوف في البصرة وحال من ظهر فيها منهم، وتنازع العلماء في ما ينتابهم من الأحوال، ثم خلص إلى أن هذه الأمور التي فيها زيادة عبادة خرجت منها، ثم ذكر تنازع العلماء في هذه العبادة الزائدة بين القدح والمدح وذكر الصواب فيه، حتى وصل إلى الكلام الذي نقله المخالف آنفا.

وأنقل تتمة كلام ابن تيمية ليفهم المقصود ويتضح خلاف ما أراده المخالف:

قال رحمه الله: "ولأجل ما وقع فى كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس فى طريقهم، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا أنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة فى ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم وادعوا انهم افضل الخلق واكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفى هذه الأمور ذميم.

والصواب أنهم مجتهدون فى طاعة الله، كما اجتهد غيرهم ....إلى أن قال:

وقد انتسب اليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلا، فان أكثر مشائخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمى فى طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب فى تاريخ بغداد.

فهذا أصل التصوف ثم انه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية ثلاثة أصناف:

صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم.

فأما صوفية الحقائق: فهم الذين وصفناهم.

وأما صوفية الأرزاق: فهم الذين وقِّفَت عليهم الوقوف كالخوانك فلا يشترط فى هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فان هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ولكن يشترط فيم ثلاثة شروط:

أحدها: العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم.

والثانى: التأدب بآداب أهل الطريق وهى الآداب الشرعية فى غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها.

والثالث: ان لا يكون احدهم متمسكا بفضول الدنيا فاما من كان جماعا للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك.

وأما صوفية الرسم: فهم المقتصرون على النسبة فهمهم فى اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك فهؤلاء فى الصوفية بمنزلة الذى يقتصر على زى أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة امره أنه منهم وليس منهم".

 


الشبهة الرابعة: تصريف الولي للكون

قال المخالف: (إقرارات بالتصرف و لم نجد من يقول أنهم مُشركين).

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه:

"فصل حدثنى أبى عن محي الدين بن النحاس وأظنى سمعتها منه أنه رأى الشيخ عبدالقادر فى منامه وهو يقول أخبارا عن الحق تعالى من جاءنا تلقيناه من البعيد ومن تصرف بحولنا الناله الحديد ومن إتبع مرادنا أردنا ما يريد ومن ترك من اجلنا أعطيناه فوق المزيد.

قلت – ابن تيمية -: هذا من جهة الرب تبارك وتعالى، (فالأولتان العبادة والإستعانة) (والآخرتان الطاعة والمعصية)، فالذهاب إلى الله هي عبادته وحده كما قال تعالى: (من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، ومن آتانى يمشي أتيته هرولة)، والتقرب بحوله هو الإستعانة والتوكل عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وفى الأثر: (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)، وعن سعيد بن جبير: (التوكل جماع الإيمان)، وقال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقال: {إذ تستغيثون ربكم فإستجاب لكم}، وهذا على أصح القولين فى أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين، أيضا سبب لجلب المنافع ودفع المضار فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوى الأحوال مُتَشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه.

وقوله: ومن إتبع مرادنا يعنى المراد الشرعى كقوله {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقوله {يريد الله أن يخفف عنكم}، وقوله {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}، هذا هو طاعة أمره وقد جاء فى الحديث (وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك)..".[15]

كما انتقى من كلام ابن خلدون في مقدمته ما نصه: "واما الكلام في كرامات القوم وأخبراهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها فليس ذلك من الحق".[16]

رد الشبهة

تكلم ابن تيمية هنا على منام للشيخ عبدالقادر بما يوافق الشرع، واستدراك المخالف غير مستدرك، ونحن لا ننكر ماقاله ابن تيمية مادام أثبته الشرع المطهر، وقد سبق الإستفاضة في بيان ما أكرم الله به الأولياء من خوارق العادات في رد الشبهة الأولى، وأن ذلك لا تعلق له لا بالتصوف ولا بالشرك والمشركين.

قلت: لم يتدبر المخالف ما قاله ابن تيمية في سياق كلامه السابق عن التوكل وهو:

(… فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه).

فهل فهم المخالف مقصود ابن تيمية رحمه الله من قوله: " ولهذا هو الغالب على ذوى الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم"، ومن قوله: " تارة بما يوافق الأمر و تارة بما يخالفه".

فهذه الخوارق قد تكون من غير أهل الصلاح والولاية، وأسوق بعض كلام ابن تيمية عله يزيل تعالم المخالف، حيث بوب رحمه الله في كتابه الحسنة والسيئة "الكرامات عند الصوفية" فقال:

" وآخرون من عوام هؤلاء يُجَوِّزون أن يكرم الله بكرامات أكابر الأولياء، من يكون فاجرا بل كافرا، ويقولون هذه موهبة وعطية يعطيها الله من يشاء، ما هي متعلقة لا بصلاة ولا بصيام ويظنون أن تلك من كرامات الأولياء وتكون كراماتهم من الأحوال الشيطانية التي يكون مثلها للسحرة والكهان..".[17]

وقال أيضا: "بين النبى أن القلب يكون فيه شعبة نفاق وشعبة إيمان، فإذا كان فيه شعبة نفاق كان فيه شعبة من ولايته وشعبة من عداوته، ولهذا يكون بعض هؤلاء يجرى على يديه خوارق من جهة إيمانه بالله وتقواه، تكون من كرامات الأولياء وخوارق من جهة نفاقه وعداوته تكون من أحوال الشياطين، ولهذا أمرنا الله تعالى أن نقول كل صلاة: {إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}".[18]

وقال رحمه الله معرضا بالقبوريين المعتقدين في قدرة أصحابها التأثير في الكون:

"وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من يعظمه ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم فتارة يرى القبر قد انشق وخرج منه إنسان على صورة ذلك الرجل وتارة يرى ذلك الإنسان قد دخل في القبر وتارة يراه إما راكبا وإما ماشيا داخلا إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر وتارة يراه خارجا من ذلك المكان ويظن أن ذلك هو ذلك الرجل الصالح وقد يظن أن قوما استغاثوا به فذهب إليهم ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته وهذا جرى لغير واحد ممن أعرفهم وتارة يستغيث ….الخ".[19]

رد شبهة كلام ابن خلدون

كما انتقى المخالف من كلام ابن خلدون قوله: " وأما الكلام في كرامات القوم واخبارهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر وإن مال بعض العلماء إلى انكارها فليس ذلك من الحق".

فننقل رد عالم إمام عليه هو (صديق بن حسن القنوجي ت 1307هـ) فقال في أبجد العلوم ما نصه:

"وما ذكر من كرامات الاولياء فهو حق يدل عليه القرآن والسنة، وما ذكر من التصرفات في العوالم والاخبار عن المغيبات ففيه نظر وتفصيل، ذكر في محله فليعلم والله أعلم".[20]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الخامسة: بيئة صوفية

قال المخالف: (الفتوى التي تدُل على البيئة الصوفية التي يعيش فيها ابن تيمية).

ثم ذكر المتعالم جوابه عن سؤال ذِكر عددي، فقال:

"وسئل عمن هلل سبعين ألف مرة، وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار، حديث صحيح أم لا وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟

فأجاب: إذا هلل الإنسان هكذا سبعون ألفا أو أقل أو أكثر وأهديت إليه نفعه الله بذلك وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا والله أعلم".[21]

رد الشبهة

ظن المخالف من الجواب – وبعض الظن إثم – أن هذا بيئة صوفية من ابن تيمية، وهذا تعالم منه، فأي بيئة صوفية في جواب سائل عن ذكر عددي. وهل الإكثار من التهليل بالمئيين بيئة صوفية، وهل في رد ابن تيمية ما يفهم منه ما فهمه المتعالم؟ ألم يحث النبي r على أن يكون لسان أحدنا رطبا من ذكر كما في السنن من حديث عبد الله بن بسر t:

( أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله).[22]

وحديث أبي هريرة t: (كان رسول الله r يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات).[23]

وفي رواية أحمد: (قالوا يا رسول الله ومن المفردون قال الذين يهترون في ذكر الله).[24]

وحديث أبي سعيد الخدري t وفيه ضعف محتمل عند أحمد: (أن رسول الله r قال أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون).[25]

ترى هل هذا من رسول الله r بيئة صوفية؟؟ حاشا وكلا؟

أما البيئة الصوفية التي يزعم المتعالم نسبتها لابن تيمية وهو منها بريء فأسوق بعضها عله يستطيع التميز والمقارنة:

قال الدكتور المالكي في كتابه أبواب الفرج (ص 98) : "دعاء الناصر" ثم قال: "من أعظم أبواب الفرج هذا الدعاء العظيم الشامل الذي رويناه عن مشايخنا عن الإمام العارف سيدي محمد بن ناصر الدرعي رحمه الله"، ثم ساق أبياتا كثيرة فيها توسلات واستغاثات بالأقطاب والأوتاد.

فانظر أخي المسلم كيف جعل من الدعاء الشعري المختلط بتوسلات واستغاثات الأموات، دعاء عظيما وأعرض عن عن دعاء القرآن والسنة دليل على على عدم التوفيق.

ثم ذكر (ص 116) خصائص وأسرار البسملة مما لم يرد فيه شيء مشروع كـ:

قراءتها عند النوم 21 مرة للحفظ من موت الفجاءة، وقراءتها 113 مرة يوم الجمعة ،و 313 مرة مع الصلاة على النبي لزيادة الرزق، و787 مرة لقضاء الحوائج العامة، و2500 مرة بعد الصبح للفتح والفهم، ثم ذكر قراءتها عن الغزالي 12000 مرة وصلاة ركعتين بعدها وسؤال المصلي حاجته.

ثم ذكر (ص 118) دعاء البسملة وفيه: "يا من هو كهيعص حمعسق الم المر المص بسر اسم الله الأعظم..

ثم ذكر (ص 134) نقلا عن العلماء ولم يذكرهم ولست أي العلماء يقصد أنه رتبوا قراءة آية الكرسي بعدد حروفها أو بعدد كلماتها أو بعدد المرسلين من الأنبياء، وذكر ترديد قوله تعالى (ولا يؤده حفظهما ...) 70 مرة.

قال مقيده عفا الله عنه: وقد استفاد المالكي هذا من كتاب شمس المعارف للبوني الصوفي.[26]

ثم ذكر المالكي أيضا (ص 138) ترتيب قراءة (حسبنا الله ونعم الوكيل) 450، و950 ، و 19000، و 4000، و 7000 مرة.

والكتاب طافح بهذه البيئة الصوفية المقيتة، التي أبعدت مرتاديها عن معين النبوة الصافي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا غيض من فيض شيخ صوفي معاصر مقتدى به عندهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة السادسة: المولد النبوي والإحتفال

قال المخالف: (ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً و موقفه من المولد النبوي.

إبن تيمية و موقفه من أحبابه الصوفية يتجلّى واضحاً في كل أحكامه فهل حرّم إبن تيمية المولد النبوي الشريف؟! مقال يُبيّن غوامض محبة ابن تيمية للصوفية و تعلقه بجناب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه. 

إبن تيمية يكرهُ أن يُخصص يوم الولادة فقط بالإحتفال و لا يُحرّم الإحتفال بالمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه). 

رد الشبهة

أقول وبالله التوفيق مناقشا لنقاطه الآتية نقطة نقطة:

قال المخالف: أولاً : مناقشة تخصيص يوم المولد والحكم فيه فقط كراهة تنزيه، فالمسألة ليست من مسائل العقيدة كما يقول المتطرفون.

ثم ساق كلام الشيخ من اقتضاء الصراط ما نصه: "فصل: ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه".[27]

قال مقيده عفا الله عنه: أقر المخالف بكلام ابن تيمية أن المولد من المنكرات، ولم يستطع دفعه أو إثبات خلافه، وأما قوله أن المولد ليس من مسائل العقيدة فباطل بل هو عين الباطل، وفي ختام ردي عليه سأذكر العقائد الفاسدة التي يعتقدها أهل المولد ومشايخه والتي يُدعى لها فيه والتي قد تخرج معتقدها من الملة؟ وهي موجودة في مؤلفات المولد أيضا.

قال المخالف: "ثانياً: الإشكال في المولد تحديد موعد زماني فقط، و ليس التعظيم والمحبة، لأجل هذا أدرجها ضمن القسم الثاني في الأعياد الزمانية". ثم ساق كلام ابن تيمية من الإقتضاء ما نصه:

"تقدم أن العيد يكون اسما لنفس المكان ولنفس الزمان ولنفس الاجتماع، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء: أما الزمان فثلاثة أنواع، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال، أحدها يوم لم تعظمه الشريعة أصلا، ولم يكن له ذكر في وقت السلف ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه، مثل أول خميس من رجب …..".[28]

وكما ساق قوله:

" النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة، كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسما، ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشري ذي الحجة، الذي خطب فيه النبي r بغدير خم، مرجعه من حجة الوداع فإنه r خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته كما روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم t".[29]

قال مقيده عفا الله عنه: زعمه أن المولد من النوع الثاني مما بينه ابن تيمية، ليس فيه ما يؤيد مذهب المخالف، وهو حجة عليه حيث لم يخرجه من دائرة المبتدعة المحدثين في دين رب العالمين المشابهين للنصارى، كما رضيه المخالف فيما يأتي لنفسه ومن لف لفه:

قال المخالف : " ثالثاً : إقامة الإحتفالات لتعظيمه ومحبته مُثاب فاعلها. البدعة المكروهة كراهة التنزيه هي: تحديد يوم مُعين للإحتفال، الله قد يثيبهم على المحبة والإجتهاد لا على تخصيص يوم".

ثم ساق المخالف راضيا الطعن في نفسه، ومن على منهجه من كلام ابن تيمية، كونهم مبتدعة مشابهون للنصارى، قوله:

" وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي r وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي r عيدا".[30]

قال مقيده عفا الله عنه: ابن تيمية رحمه الله لم يجزم القول بالثواب كما فهم المخالف تعالما، إذ قال: "قد يثيبهم الله" وقد تفيد الإحتمال، وقد لا يثيبهم الله إذ هذا راجع له سبحانه وتعالى فتنبه؟

قال المخالف: رابعاً : لم يترك ابن تيمية المسئلة دون أن يضع حلولاً لمن يريد تعظيم النبي ومحبته. فالحل لديه أن لا تُخصص يوم الثاني عشر بالإحتفال فقط و لكن إحتفل قبله أو بعده أو في غير اليوم إن لم تستطع أن تضم إليه غيره.

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: " وذلك أن النبي r نهى عن تخصيص أوقات بصلاة أو بصيام، وأباح ذلك إذا لم يكن على وجه التخصيص، فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي r قال: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو يوما بعده)، وهذا لفظ البخاري".[31]

قال مقيده عفا الله عنه: المخالف متعالم جدا لا يحسن الإستدلال، فكلام ابن تيمية السابق عن تخصيص العبادة المشروعة بدون مخصص، كمن يخص يوم الجمعة بصيام إذ الصيام مشروع منصوص عليه بالكتاب والسنة، فهل المولد مشروع مثله؟؟

ثم زعم كاذبا أن الحل لدى ابن تيمية: أن لا تُخصص يوم الثاني عشر بالإحتفال فقط، و لكن إحتفل قبله أو بعده، أو في غير اليوم إن لم تستطع أن تضم إليه غيره.

وهذا ما لاسبيل لإثباته من كلام ابن تيمية، لا منطوقا ولا مفهوما بل العكس خلافه، وإنما هو فهم فاسد فهمه المخالف معتمدا على تعالمه في توجيه نصوص استدل بها ابن تيمية دون الربط بينها، ومما يثبت فساد فهمه وتعالمه، قياسه الإحتفال بيوم المولد على الصوم قبل يوم الجمعة أو بعده، وهذا والله من الصوفيات المضحكات المبكيات.

قال المخالف : " وجاء من بعد ابن تيمية تلميذه النجيب إبن قيم الجوزية، ليحل هذا الإشكال من أوسع أبوابه، فيُجيب على من يحتج بالقول بأن بعض الأعمال لم تثبت عن السلف:

فذكر من كلام ابن القيم ما نصه: "والقائل أن أحدا من السلف لم يفعل ذلك قائل مالا علم له به، فإن هذه شهادة على نفي ما لم يعمله، فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه".[32]

قال مقيده عفا الله عنه: وهذا تعالم آخر من المخالف، إذ كلام ابن القيم على إهداء ثواب الأعمال الصالحة للميت، وهو عمل فردي لا يطلع عليه كل أحد، وليس عملا جماعيا حتى يقال فيه: وما يدريه أن السلف كانوا يفعلونه، بخلاف الإحتفال بالمولد الذي هو عمل جماعي، يحضره المشايخ والمريدون ولا يخفى على الناس بحال، بل يدعونهم ويرغبونهم لحضوره فأفهم!!

ثم قال المخالف : " خلاصة المقال : المسألة إجتهادية .. لايُنكر على فاعلها إتباع قول عالم من العلماء و ممّن قال بجوازها : ابن حجر و السيوطي و السخاوي و ابن السني وغيرهم".

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "وسئل عمن يقلد بعض العلماء فى مسائل الاجتهاد فهل ينكر عليه أم يجهر، وكذلك من يعمل بأحد القولين، فأجاب:

الحمد لله، مسائل الإجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يجهر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان فى المسألة قولان فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم فى بيان أرجح القولين والله أعلم".[33]

قال مقيده عفا الله عنه : المخالف كالغريق الذي يتمسك بقشة علها تنجيه من الغرق، وهذا الكلام حق في مسائل الإجتهاد التي اجتهد فيها علماء السنة؟ استدل به المخالف تعالما لإحقاق باطل وهو الإحتفال بالمولد الذي هو من اجتهاد الرافضة؟

وإليك الجواب فيمن اجتهد واخترع الإحتفال بالمولد:

مخترع الإحتفال بالمولد النبوي

الإحتفال بالمولد النبوي ليس من الدين الحنيف في شيء، ومخترعه ليس من أهل السنة والجماعة، لكي نبرر فعله - إن جاز لنا التبرير - أن هذا الإحتفال إجتهاد فقهي من هذا العالم، بل أحدثه الرافضة الفاطمييون العبيدون في القرن الرابع الهجري لما حكموا مصر، كما أحدثوا أمورا أخرى منها ماكان لمسلمي مصر ومنها ماكان لأقباطها، والذي ظهر لي أن هذا كان من باب سياسة إلهاء الشعب المصري.

يذكر لنا المؤرخ المقريزي (ت 845 هـ) في خططه: الأمور والأعياد والمواسم التي أحدثوها للمسلمين والأقباط وهي: "رأس السنة وموسم أول العام ويوم عاشوراء، وموالد النبي r وعلي والحسن والحسين وفاطمة ومولد الخليفة الحاضر، وليلة رجب وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر وموسم النحر، وعيد الغدير وكسوة الشتاء وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس ويوم الميلاد وخميس العدس وأيام الركوبات".[34]

ثم يصف المقريزي الفاطميين بقوله: "إعلم أن القوم كانوا شيعة، ثم غلوا حتى عُدّوا من غلاة أهل الرفض".[35]

قلت: وغلوهم في الرفض يظهر من الأعياد التي أحدثوها لأهل البيت والتي منها: يوم عاشوراء وعيد الغدير. ثم وصف المقريزي ما كانوا يفعله الفاطمييون في يوم عاشوراء من النياحة والبكاء وشق الثياب وأرخ ذلك في سنة 363هـ.[36]

أما أعياد النصارى التي أحدثوها فهي: يوم النيروز وعيد الميلاد والغطاس وخميس العدس، وقد فصل المقريزي في خططه الكلام عنها.[37]

أما يوم الغطاس فيقول عنه ابن تيمية رحمه الله: أنه اليوم الذي عَمّد فيه يحيى عيسى عليهما السلام في ماء المعمودية، فهم يتعمَّدون في هذا الوقت ويسمونه عيد الغطاس.[38]

فإذا كان هؤلاء هم من اخترع المولد النبوي والإحتفال به، فهل نتبعهم ونجعلهم قدوة لنا فيما ابتدعوه، ولا يخفى أن الفاطميين لهم تاريخ أسود مع المسلمين السنة إبان حكمهم لمصر. ومع ذلك نجد صوفيا محترقا يزعم أنه من أهل السنة يقول: "وليس المهم من فعله من الحكام أو الشعوب".[39]

وهذا قول لا يقوله منتسب للعلم وأهل، وقد نهينا أن نكون إِمْعه، ولقد نصح الصحابي الجليل ابن عمر t لله ودينه ونبيه وأمته فقال: (من كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد r، كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه r ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد r كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة).[40]

التصوف والإحتفال بالمولد

فكرة المولد النبوى والإحتفال به راقت كثيرا لمشايخ الصوفية ومريديهم، فتلقفوها من رحم الدولة الفاطمية العفن، وزادوا عليها إحتفالات أخرى لمشايخهم وأقطابهم مثل مولد أحمد البدوي وأبي الحسن الشاذلي وإبراهيم الدسوقي وغيرهم، وآخرها مولد الشيخ الداعية المشهور محمد متولي الشعراوي وكان مولده لمدة خمسة أيام.[41] وللأستاذ ج. و. مكفرسون كتاب (الموالد في مصر) ذكر فيه عشرات الموالد التي يقوم بها المسلمون والأقباط.

إن الصوفية وطرقها منظمة كبيرة لها لوائح ونظم مُقننة، فاللوائح الداخلية للطرق الصوفية لعام (1905م)، تثبت إهتمام الصوفية بالموالد والإحتفال بها، ففي الفصل الخامس من هذه اللوائح، والذي يتعلق بالشئون العامة، تنص المادة السادسة فيها على أنه:

"يمكن لكل شخص بإقامة مولد وتنظيمه، إذا ثبت قيامه بفعل ذلك لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ومن الأمور الأساسية أنه لا ينبغي أن يقوم بجوار المولد أو موقعه الملاصق أي شيء يناقض السلوك القانوني، مثل الألعاب والملاهي وما شابهه".[42]

ويقول شيخ مشايخ الطرق الصوفية الدكتور أبو الوفا التفتازاني:

"ينظم القانون – 118 لسنة 1976م، كذلك في الباب الثاني الموالد والمواكب الصوفية، ويبين كيفية التصريح بها من مشيخة الطرق، والضوابط الكفيلة بأن لا يتنافى شيء منها مع القواعد الدينية والصوفية، المستمدة من آداب الشريعة الإسلامية، وينظم كذلك مجالس الذكر والإحتفالات الدينية، وإقامة الندوات بحيث تتفق كلها مع الشريعة".[43]

قال مقيده عفا الله عنه : فهل هذا من الدين في شيء؟؟

العقائد الفاسدة التي يحتوي عليها الإحتفال بالمولد

·      حديث النور عمدة الإحتفال بالمولد وبه يُبدأ

عقيدة النور المحمدي اخترعها أقطاب التصوف وأصّلوا لها في كتبهم وأشعارهم، معتمدين على حديث موضوع لا أصل له في كتب السنة، نسبوه زورا وبهتانا للإمام عبدالرزاق.

وهذا الحديث الموضوع ضرره عظيم على العقيدة الإسلامية، لما فيه من مخالفة ما أخبرنا الله ونبيه عن أصل المخلوقات، وأيضا يعد هذا الحديث أصل عقائد التصوف كعقيدة تأليه النبي r والحقيقة المحمدية، ووحدة وجود النبي r.

·      عقيدة الحقيقة المحمدية في مؤلفات المولد النبوي

من الثابت والمسلمات لدينا أن مشايخ المولد النبوي من المتصوفة، كما أنهم يعتقدون معتقداتهم، يثبت ذلك مؤلفاتهم وما بثّوه فيها من عقائدئهم، ومن هذه العقائد (عقيدة الحقيقة المحمدية) المستوحاة من النور المحمدي، وهو مصطلح لم يستقر فيه أقطاب التصوف على تعريف واضح محمدد، بل قال كل واحد فيه بحسب ذوقه وما ورد على قلبه فيه.

·      غلوهم في النور المحمدي

لا تكاد ترى غلوا في الأمة إلا وللصوفية فيه قصب السبق، وغلوهم في النور المحمدي يكاد يخرج من الملة فمن ذلك:

·       زعمهم أن الله عزوجل ظهر في النور المحمدي، ذكر هذا الباطل منظر المولد في العصر الحديث النبهاني في جواهره عن مولد المغربي.[44]

·       زعمهم أن النور المحمدي هو المرآة التي ظهر فيها الله عزوجل _ تعالى الله عما يقول الزنادقة علوا كبيرا. وفي ذلك يقول الجيلي واصفا الصورة المحمدية:

أنوار حسن بدت في القلب لامعة مسترات وهي الشمس طالعة

للحق فيها ظهور عند عارفه فليس تخفى التجليات ساطعة

إلى أن قال:

مخلوقة وهي مرآة لخالقها قريبة قد غدت في الحكم طائعة[45]

وقد ذكر ذلك النبهاني عن بعض المتصوفة كـ: عبدالقادر الجزائري[46]، والمغربي في مولده[47]، والميرغني.[48] وهذه العقيدة ذكرها القاشاني (ت730هـ) وغيره عن المتصوفة.[49]

·       زعمهم أن الجن استفاضت من ذلك النور، ذكره النبهاني عن ابن عابدين في شرحه لمولد الهيتمي.[50]

·       زعمهم أن الله أبرز الأنبياء من فيض ذلك النور، ذكره النبهاني عن مولد المغربي.[51]

·       زعمهم أن الأنبياء شربوا من النور المحمدي، ذكره النبهاني عن عبدالعزيز الدباغ أحد الأقطاب الأُمْيّين.[52]

·       كما زعم القطب عبدالعزيز الدباغ أن النور المحمدي في ذوات الكفار ولولاه لخرجت إليهم جهنم وأكلتهم أكلا، ذكره النبهاني في حجة الله على العالمين.[53]

·       زعمهم أن ابن الفارض الشاعر خلق من النور المحمدي، ذكره النبهاني في جواهره نقلا عن شرح النابلسي لديوان ابن الفارض ذرية بعضها من بعض فقال النابلسي عند قول ابن الفارض في تأيته:

وحزني ما يعقوب بثّ أقله وكل بِلا أيوب بعض بليتي

"فالناظم من جملة من خلق من نوره r".[54]

·      ومن مزاعمهم في المولد

حضوره r الموالد التي تقام.

زعمهم أن مُحب النبي r لا يبلى جسده.

أن الله لايعذب قلبا أحب النبي r

زعم المالكي في أحد الإحتفالات إيمان عبدالمطلب

وقد فصلنا الكلام عليه في بحثنا : " الإحتفال بالمولد النبوي تحت المجهر".

 

 

الشبهة السابعة: السكر الصوفي

قال المخالف: (السُكر يقع من الصوفي لكن!! سُكر من نوع خاص يسقط معه التمييز و تبقى حلاوة الإيمان، يصدر مع هذا النوع من السُكر العجيب أقوال مخالفة للشرع و محرمة .. أنصب خيمتي على جهنم. و لكن لا جناح عليهم في ذلك).

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "وفى مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز، مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشيق الصور، وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحال حُبِّ فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق، ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور السكارى، وهي شطحات بعض المشائخ كقول بعضهم: "أنصب خيمتى على جهنم"، ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع، وقد يكون صاحبها غير مأثوم، وإن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء العدو، ومن يعين كافرا أو ظالما بحال ويزعم أنه مغلوب عليه، ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم، فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا محرما".[55]

 رد الشبهة

يثبت المشارك النور تعالمه هنا، حيث أخذ من كلام ابن تيمية ما وافق هواه وترك ما سواه، على الرغم أنه كان مدحا في معرض الذم كما سيأتي سياق كلام ابن تيمية السابق لما ذكره المخالف، ولكنها لا تعمى الأبصار إلا أنها عميت عنده، وأذكره هنا لتوضيح ما أشكل على المخالف، قال ابن تيمية رحمه الله:

"فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشهادة، ذاك فناء عن عبادة الغير والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير والنظر إليه فهذا الفناء فيه نقص، فإن شهود الحقائق على ما هي عليه وهو شهود الرب مدبرا العباده آمرا بشرائعه، أكمل من شهود وجوده أو صفة من صفاته أو إسم من أسمائه، والفناء بذلك عن شهود ما سوى ذلك، ولهذا كان الصحابة أكمل شهودا من أن ينقصهم شهود للحق مجملا عن شهوده مفصلا، ولكن عرض كثير من هذا لكثير من المتاخرين من هذه الأمة..".[56] وفيه ذكر ابن تيمية ما نقله المخالف آنفا..وبين أنه يقع منهم مخالفة للشرع المطهر، وذكر أنهم عقلاء المجانين وهم المرفوع عنهم القلم لسقوط الجناح والتكاليف عنهم، ولهذا قال ابن تيمية عنهم :

"وكما أنه لاجناح عليهم فلا يجوز الإقتداء بهم، ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون فى التكاليف".[57]

فهذا مدح فيه ذم، ثم عقب ابن تيمية كلامه بقوله:

"ولهذا اتفق العارفون على أن حال البقاء افضل من ذلك، وهو شهود الحقائق باشهاد الحق كما قال الله تعالى فيما روى عنه رسوله (ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا أحببته..).. إلى أن قال: وعامة ما تجد فى كتب أصحاء الصوفية مثل شيخ الإسلام ومن قبله من الفناء هو هذا، مع أنه قد يغلط بعضهم فى بعض أحكامه كما تكلمت عليه في غير هذا الموضع . وفى الجملة فهذا الفناء صحيح وهو فى عيسوية المحمدية، وهو شبيه بالصعق والصياح الذي حدث فى التابعين، ولهذا يقع كثير من هؤلاء فى نوع ضلال، لأن الفناء عن شهود الحقائق مرجعه إلى عدم العلم والشهود، وهو وصف نقص لا وصف كمال، وإنما يمدح من جهة عدم إرادة ما سواه لأن ذكر المخلوق قد يدعو إلى إرادته والفتنة به".[58]

الشبهة الثامنة: مصطلحات صوفية

قال المخالف: (قرأنا في أقوال ابن تيمية السابقة: (شطحات - مُكاشفات - مريد - شيخ ....وأنكر البعض أن يكون عند ابن تيمية هذا الذوق الصوفي، فماذا يقولون بأقوال ابن تيمية في العشق الإلهي حُب - غَرام - عِشق - صَبابة – تَيم)

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه : "و العبادة أصل معناها الذل أيضا يقال: طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهى تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب هوالتتيم وأوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة لا نصباب القلب إليه، ثم الغرام وهو الحب اللازم للقلب، ثم العشق وآخرها التتيم يقال: تيم الله أى عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه".[59]

ثم قال المخالف: (لم أقرأ في كُتب التصوف مثل هذه المُصطلحات الذوقية ابن تيمية صوفي ذائق).

رد الشبهة

كون هذه الألفاظ وردت في كلام ابن تيمية، فهي لم ترد على هيئة الترغيب والتأيد وأنه صوفي ذائق على حد زعم المخالف، وإنما وردت في سياق التحليل والدراسة تحت منظور الشرع المطهر، فما وافقه قبل وما خالفه نُبذ، وبعضه ورد في الكتاب والسنة كالحب، أما التيم والعشق والصبابة فموجود في كلام العرب قبل ظهور الصوفية عند المسلمين بقرون..

أما الشطح فقد قال ابن تيمية عن أهله: "غاية الصوفية المبتدعين الشطح".[60]

وقال أيضا: "فنصيحتي لاخواني من المؤمنين الموحدين، أن لا يقرع أبكار قلوبهم كلام المتكلمين، ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين، بل الشغل بالمعايش أولى من بطالة المتصوفة، والوقوف مع الظواهر أولى من توغل المنتحلة للكلام، وقد خبرت طريقة الفريقين غاية هؤلاء الشك وغاية هؤلاء الشطح".[61]

وأما العشق في كلام ابن تيمية فقد جاء في معرض الذم لا المدح حيث قال:

" والناس فى العشق على قولين: قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور، وقيل من باب التصورات وأنه فساد فى التخييل، حيث يتصور المعشوق على ماهو به، قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق لأنه منزه عن ذلك، ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا، وأما الأولون فمنهم من قال: يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة، والله يُحِب ويُحَب، وروى فى أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: (لا يزال عبدى يتقرب إلى يعشقنى وأعشقه)، وهذا قول بعض الصوفية. والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ فى حق الله، لان العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذى ينبغى، والله تعالى محبته لانهاية لها فليست تنتهى إلى حد لا تنبغى مجاوزته، قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقا لا يمدح لا فى محبة الخالق ولاالمخلوق، لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود، وأيضا فإن لفظ العشق إنما يستعمل فى العرف، محبة الإنسان لإمرأة أو صبى، لا يستعمل فى محبة كمحبة الأهل والمال والوطن، والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين، وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم، إما بمحبة امرأة أجنبية أوصبى يقترن به النظر المحرم، واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة".[62]

قال مقيده عفا الله عنه: فهذا رأي ابن تيمية رحمه الله في المصطلحات الصوفية الممجوجة التي تغنى بها المتعالم المخالف.

الشبهة التاسعة: عشق التلميذ للشيخ

قال المخالف: (والآن هل يُوصِلْ عِشْقَ التَلميذ لِشَيخِه إِلى هَذا الحدْ ؟ العشق بين التلميذ والشيخ).

ثم ساق جوابا عن ابن تيمية لسؤل، فقال؟

"سئل عن رجل يحب رجلا عالما، فاذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشي من أجل الإفتراق، وإذا كان الرجل العالم مشغولا بحيث لا يلتفت إليه لم يحصل له هذا الحال، فهل هذا من الرجل المحب أم هو تأثير الرجل العالم؟

فأجاب: الحمد لله سببه من هذا ومن هذا، مثل الماء إذا شربه العطشان حصل له لذة وطيب، وسببها عطشه وبرد الماء، وكذلك النار إذا وقعت فى القطن، سببه منها ومن القطن، والعالم المقبل على الطالب يحصل له لذة وطيب وسرور، بسبب إقبال هذا وتوجهه وهذا حال المحب مع المحبوب والله أعلم".[63]

رد الشبهة

مشكلة المخالف (العضو النور) مشكلة فهم وتعالم، فهو يقيس كل شيء على مشربه الصوفي كأنه أصل والكتاب والسنة فرع.

وهل الحب في الله من التصوف وهل كل من أحب آخر في الله يكون صوفيا ذائقا على زعم المخالف؟ ألم يقل رسول الله r أن الحب في الله من أوثق عرى الإيمان[64]، كما ذكر r أن من أحب في الله يذوق حلاوة الإيمان[65]، فهل نقول أن النبي r صوفي ذائق؟؟ وهل تحاب السلف صحابة وتابعين تصوف، حاشا وكلا!

الشبهة العاشرة: الفناء

قال المخالف: (تعلّق ابن تيمية بالصوفية المقدسين لديه جعله يُترجم ما يُسمى عند كثير من متطرفي اليوم الخزعبلات فنراه يتكلم في الشطحات والفناء والسوى وغيره من المصطلحات الصوفية بكلام لم يُسبق اليه ممن خاض في هذا الفن فناء عن عبادة السوى. كلمات يفسّرها ابن تيمية بكلام راقي غاية في الذوق)

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "والمعنى الذى يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام: فناء عن عبادة السوى، وفناء عن شهود السوى، وفناء عن وجود السوى. فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذى أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، وهو تحقيق لا إله إلا الله فإنه يفنى من قلبه كل تأله لغير الله، ولا يبقى فى قلبه تأله لغير الله، وكل من كان أكمل فى هذا التوحيد كان أفضل عند الله".[66]

رد الشبهة

سبق وذكرنا في المقدمة أن لدى المخالف أربعة مشاكل عويصة: مشكلة الفهم، ومشكلة التعالم، ومشكلة بتر النصوص، وأعظم من ذلك كله جعله بفهمه القاصر التصوف أصل والكتاب والسنة فرع.

فالمخالف اقتصر على ذكر النوع الأول من الفناء وأعرض عن ذكر النوعين الآخرين، لطعنه في بعض أقطاب التصوف المُعَظَمين عند الصوفية وهو منهم.

والنوع الذي اقتصر المخالف عليه ليس له تعلق بالتصوف وأهله، وإنما هم أهل الثاني والثالث، لأن الأول هو فناء النبيين وأتباعهم وفيه قال ابن تيمية:

"هذا حال النبيين وأتباعهم وهو أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حب ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه، وطاعته عن طاعة ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، فهذا تحقيق توحيد الله وحده لا شريك له، وهو الحنيفية ملة إبراهيم ويدخل فى هذا أن يفنى عن إتباع هواه بطاعة الله، فلا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يعطى إلا لله ولا يمنع إلا لله فهذا هو الفناء الدينى الشرعى الذى بعث الله به رسله وأنزل به كتبه".[67]

فهل الصوفية موحدون؟ أم قبوريون متعلقون بالصالحين ومشاهدهم وأضرحتهم يصرخون بهم إلى الله ويستغيثون؟. وهم عند ابن تيمية ليسوا موحدين كما في كلامه الآتي.

قال رحمه الله:

"والثانى: أن يفنى عن شهود ما سوى الله، وهذا الذى يسميه كثير من الصوفية حال الإصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك، وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله، وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه، فإنه إذا شهد أن الله رب كل شىء ومليكه وخالقه، وأنه المعبود لا إله إلا هو الذى أرسل الرسل، وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله، فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا، كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر، وشهود التفرقة فى الجمع والكثرة فى الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق، لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا، كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل. والثالث: الفناء عن وجود السوى وهو قول الملاحدة أهل الوحدة، كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق، وماثم غير ولا سوى فى نفس الأمر، فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام".[68]

وقال ابن تيمية عن أهل النوع الثاني في موطن آخر:

"وأما الثانى: وهو الفناء عن شهود السوى، فهذا هو الذى يعرض لكثير من السالكين كما يحكى عن أبى يزيد وأمثاله، وهو مقام الاصطلام، وهو أن يغيب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته، وبمشهوده عن شهادته وبمذكوره عن ذكره، فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل، وهذا كما يحكى أن رجلا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه فى الماء، فألقى المحب نفسه خلفه فقال: أنا وقعت فلم وقعت أنت؟ فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني، فهذا حال من عجز عن شهود شيء من المخلوقات، إذا شهد قلبه وجود الخالق وهو أمر يعرض لطائفة من السالكين، ومن الناس من يجعل هذا من السلوك ومنهم من يجعله غاية السلوك، حتى يجعلوا الغاية هو الفناء فى توحيد الربوبية، فلا يفرقون بين المأمور والمحظور والمحبوب والمكروه، وهذا غلط عظيم غلطوا فيه بشهود القدر، وأحكام الربوبية عن شهود الشرع والأمر والنهى، وعبادة الله وحده وطاعة رسوله، فمن طلب رفع إنيته بهذا الاعتبار لم يكن محمودا على هذا ولكن قد يكون معذورا".[69]

قال مقيده عفا الله عنه: ولو أردت الإستفاضة في بيان أن الصوفية هم من النوع الثاني عند ابن تيمية لخرجنا عن المقصود في الإبانة، وفيما ذكرنا كفاية واللبيب تكفيه الإشارة.

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الحادية عشر: علم الغيب

قال المخالف: (سمّها ما شئت فراسة أم كرامة! العلم بما في اللوح المحفوظ لم يتفرّد به الصوفية وحدهم؟ فهذا ابن تيمية يخبر بما في اللوح المحفوظ: كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، نعم النصر قد وُعد به المؤمنون، و لكن نظرة على قوله "هذه الكرة" تُبيّن دقة تفاصيل هذه المعرفة، ولا نعجب من هذا فمثل هذه المعارف تقع لابن تيمية مثل المطر).

 ثم نقل من كلام ابن القيم في شيخ الإسلام ما نصه: "ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سِفرا ضخما، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته في الأموال، وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة، ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام، أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له: قل إن شاء الله! فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وسمعته يقول ذلك، قال: فلما أكثروا علي، قلت: لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام! قال: وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر".[70]

رد الشبهة

أورد المخالف علينا مالم يرد، وهذا قصور قبيح من المخالف، فمصطلح الفراسة مصطلح إسلامي شرعي قُحّ، ورد في الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (الحجر:75)، وقال r: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ).

قال الترمذي: " وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) قال للمتفرسين".[71]

وليس بمصطلح صوفي وأساسها قول الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل:

(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).[72]

والفراسة علم قائم بذاته وفيه صنف علماؤنا، قال العلامة القنوجي: "عدّه صاحب مفتاح السعادة من فروع العلم الطبيعي، وقال: هو علم تعرف منه اخلاق الناس من احوالهم الظاهرة من الالوان والاشكال والاعضاء وبالجملة الإستدلال بالخَلق الظاهر على الخُلق الباطن وموضوعه ومنفعته ظاهران".[73]

قال ابن تيمية: " من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال، والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد والذوق ونحو ذلك، وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها، فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا، وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا، وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم الهاما، وأحدهم بصرا ومكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا، وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل".[74]

قال مقيده عفا الله عنه: ولا شك أن ابن تيمية من كبار أئمة أهل الحديث، وروى الخطيب بسنده فقال: "كان أبو حنيفة حسن الفراسة! فقال لداود الطائي: أنت رجل تتخلى للعبادة! وقال لأبي يوسف: تميل إلى الدنيا! وقال لزفر وغيره كلاما فكان كما قال".[75]

فهل أبو حنيفة يعلم الغيب؟؟ أم أنه يندرج تحت ما ذكره ابن تيمية آنفا.

وأما قول ابن القيم عنه " كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام". فهذا من باب حسن الظن بالله القائل: { إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 172)، وليس من باب الإطلاع على ما في اللوح المحفوظ والذي للصوفية فيه باع طويل.

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الثانية عشر: خروج من القبر

قال المخالف: (رُؤية الموتى يخرجون بأبدانهم من قُبورهم، يقعدون في قبورهم، رُؤية أثر العذاب عليهم، أُمور برزخية تظهر في عالم الشهادة ...نعم ... لم يتفرد الصوفية بذلك).

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه: "واذا عرف أن النائم يكون نائما وتقعد روحه، وتقوم وتمشى وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالا وأمورا بباطن بدنه مع روحه، ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب، مع أن جسده مضطجع وعينيه مغمضة وفمه مطبق، ويتكلم ويصيح لقوة الأمر فى باطنه، كان هذا مما يعتبر به أمر الميت فى قبره، فإن روحه تقعد وتَجلس وتُسأل وتُنعم وتُعذب وتصيح، وذلك متصل ببدنه مع كونه مضطجعا فى قبره، وقد يقوى الأمر حتى يظهر ذلك فى بدنه، وقد يُرى خارجا من قبره والعذاب عليه وملائكة العذاب موكلة به، فيتحرك بدنه ويمشى ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين فى قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضا إذا قوى الأمر، لكن هذا ليس لازما فى حق كل ميت، كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر".[76]

رد الشبهة

في كلام ابن تيمية أمور:

أولا: قعود الميت في قبره.

قعود الميت في قبره ورد في السنة الصحيحة أحاديث تثبت ذلك منها:

حديث أنس t عن النبي r قال: (العبد إذا وضع في قبره وتُوُلِّيَ وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له …الحديث).[77]

وحديث البراء بن عازب t عن النبي r قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله …الحديث).[78]

ثانيا: خروج الميت من قبره وسماع صوته ورؤيته.

أما رؤية الميت خارج قبره، فليس هو شأن صوفي كما زعم المخالف، فقد وردت عدة روايات في ذلك لا تخلوا من مقال قبل أن تعرف الصوفية في المسلمين العرب، وهو ما اعتمده ابن تيمية ، وإن كان ابن تيمية نفسه ذهب إلى أن هذا الخارج قد يكون جنيا كما سيأتي، وأقول:

الروايات في هذا الباب أكثر من رواها ابن أبي الدنيا في كتابه (من عاش بعد الموت)، واللالكائي في (اعتقاد أهل السنة:

"فعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: خرجت مرة لسفر، فمررت بقبر من قبور الجاهلية، فإذا رجل قد خرج من القبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة من نار، ومعي أداوة من ماء، فلما رآني قال: يا عبد الله إسقني! قال: فقلت عرفني ودعاني باسمي، أو كلمة تقولها العرب: (يا عبد الله) إذ خرج على أثره رجل من القبر، فقال: يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر، ثم أخذ السلسلة فاجتذبه وأدخله القبر، قال: ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانب بيتها قبر، فسمعت من القبر صوتا يقول: بول وما بول شن وما شن! فقلت للعجوز: ما هذا؟ قالت: هذا كان زوجا لي وكان إذا بال لم يتق البول، وكنت أقول له: ويحك إن الجمل إذا بال تفَاجّ[79] فكان يأبى، فهو ينادي منذ يوم مات: بول وما بول. قلت: فما الشن؟ قالت: جاءه رجل عطشان، فقال: أسقني! فقال: دونك الشن فإذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتا، فهو ينادي منذ يوم مات شن وما شن. فلما قدمت على رسول الله r أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده".[80]

وهي قصة فيها مقال، فقد رواها عن سالم عن أبيه بنحو ما سبق ابن عبدالبر في التمهيد، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة[81].

قال ابن عبدالبر بعد أن أورد القصة في التمهيد بسنده عن ابن أبي الدنيا: "هذا الحديث ليس له إسناد ورواته مجهولون، ولم نورده للاحتجاج به ولكن للاعتبار، وما لم يكن فيه حكم فقد تسامح الناس في روايته عن الضعفاء والله المستعان".[82]

وذكر الذهبي عن ابن عمر t بنحو ما سبق مختصرا براو متروك ووافقه ابن حجر.[83]

ثالثا: ختم ابن تيمية كلامه بقوله:

"لكن هذا ليس لازما فى حق كل ميت! كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم! بل هو بحسب قوة الأمر!".

وفي هذا تنبيه للمعترض ذهل عنه؟ وفيه يقرر ابن تيمية أن من تألّف هذا الأمر، فإنه من فعل الشيطان وأكثر من تعلق به الصوفية، وربما يكون هذا تناقضا أو رجوعا من ابن تيمية، أو يكون مدسوسا عليه لورود ما يخالفه من قوله في مواطن، قال رحمه الله:

"فرؤيا الأنبياء في المنام حق، وأما رؤية الميت في اليقظة فهذا جني تمثل في صورته، وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ، وبعضهم يقول: هي رفيقه وكثير من هؤلاء يُرى يقوم من مكانه ويدع في مكانه صورة مثل صورته، وكثير من هؤلاء ومن هؤلاء من يقول: يُرى في مكانين ويُرى واقفا بعرفات، وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين، فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد لا يكون في الوقت الواحد في مكانين، والصادقون قد رأوا ذلك عيانا لا يشكون فيه، ولهذا يقع النزاع كثيرا بين هؤلاء وهؤلاء، كما قد جرى ذلك غير مرة وهذا صادق فيما رأى وشاهد، وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح، لكن ذلك المرئي كان جنيا تمثل بصورة الإنسان، والحسيات إن لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإلا وقع فيها غلط كبير".[84]

وقال أيضا: "وقد يرى القبر انشق وخرج منه صورة إنسان، فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره، أو أن روحه تجسدت وخرجت من القبر، وإنما ذلك جني تصور في صورته ليضل ذلك الرائي، فإن الروح ليست مما تكون تحت التراب وينشق عنها التراب، فإنها وإن كانت قد تتصل بالبدن فلا يحتاج في ذلك إلى شق التراب، والبدن لم ينشق عنه التراب وإنما ذلك تخييل من الشيطان وقد جرى مثل هذا لكثير من المنتسبين إلى المسلمين وأهل الكتاب والمشركين، ويظن كثير من الناس أن هذا من كرامات عباد الله الصالحين، ويكون من إضلال الشياطين، كما قد بسط الكلام في هذا الباب في غير هذا الكتاب مثل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وغير ذلك".[85]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الثالثة عشر: نقد الألباني للشيخ

قال المخالف: (هل يصل الألباني إلى هذا الحد من الطعن في إبن تيمية و السلفية؟ الألباني .... ساخراً من السلفية: أرد على ابن تيمية قوله بفناء النار و لا أُداريه !! و لا أُقلّدة كما يفعل السلفية .. بل أُقلّد رسول الله).

ثم نقل نقد الشيخ الألباني لابن تيمية رحمهما الله في مسألة فناء النار، ما نصه:

"وهذا هو السبب الذي يحملني على أن لا أحابي في ذات الله أبا، أو أداري في دين الله أحدا، فترانا هنا نرد على شيخ الإسلام ابن تيمية قوله بفناء النار، ولا نداريه مع عظمته في نفوسنا وجلالته في قلوبنا، فضلا عن أننا لا نقلده في ديننا خلافا لما عليه عامة المقلدة، الذين يحملهم إجلالهم لإمامهم على تقليده ونبذ قول كل من خالف، حتى ولو كان المخالف هو النبي محمدا r بديل أن يتخذوه وحده قدوة، ولا يشركوا معه في ذلك أحدا كما هو الواجب، بل إنهم ليصرحون بخلاف ذلك كما قال أحدهم اليوم في كتيب له: ( أفلا يحق لنا أن نعتبر من واقع غيرنا ( يعني السلفيين ) فنثبت عند أقوال الإمام الذي يسر الله تعالى لنا الاقتداء به منذ أول نشأتنا). ونحن نقول بقول رب العالمين في القرآن الكريم: { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير }؟ فأين أنت يا هذا من قوله تبارك وتعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }؟ وغير ذلك من النصوص التي توجب على كل مسلم اتباعه r دون سواه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ولكن { من لم يجعل الله له نورا فما له من نور } .".[86]

الرد على الشبهة

قال مقيده عفا الله عنه: وماذا في نقد الألباني فليس ابن تيمية معصوم، كما أنه لامانع من وجود من يتعصب لابن تيمية ولا يحيد عن أقواله، وهذا ظاهر في تراث الأمة، ولا يخفى مقلدة المذاهب الإسلامية كالأئمة الأربعة والأشاعرة وأصحاب الطرق الصوفية بالخصوص، وتقيدهم بنصوص مشايخهم.

وليس كل عالم ملزم بإتباع إمام بعينه، إذا تحصلت عنده الملكة العلمية في معرفة الأقوال والإستدلالات والتميز بينها. ورد الألباني على ابن تيمية وصراحته، سلفه فيها: حَبر الأمة ابن عباس t القائل في أمر متعة الحج وفسخه بعمرة: "ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض أقول لكم: قال رسول الله r ! وتقولون: قال أبو بكر وعمر".

وقول ابن المديني في أبيه أنه ضعيف في الحديث لما سُئل عنه، روى ذلك ابن حبان فقال: "سئل علي بن المديني عن أبيه؟ فقال: اسألوا غيري، فقال: سألناك فأطرق ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين أبي ضعيف".[87]

فهل يستطيع المخالف نقد أقطاب التصوف وبيان ماهم عليه من ضلال، كقولهم بوحدة الوجود والحلول والإتحاد، وتأنيث الذات الإلهية، وتأنيث الشخصية النبوية وتأليهها، وأن النور المحمدي أصل الكائنات، إلى غير ذلك من العقائد الباطلة والتي ذكرنا كثيرا منها في منتدى الصوفية، جزى الله القائمين عليه خيرا؟ وليس هذا موضع تفصيلها.

أليست الطُّرقِّية تربي مريدها على الطاعة العمياء، وأن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل، وألا يعترض على شيخه حتى لوكان يعمل المنكر، وكم في ذلك من قصص ممجوج.

 

 

 

 

 

الشبهة الرابعة عشر: النصيحة الذهبية

قال المخالف: رسالة الذهبي لإبن تيمية ثابتة لا يُنكرها إلا مُعاند ...

] ثم ساق كلام د. بشار عواد فقال:

"يقول الدكتور المُحقق السلفي بشّار عواد معروف، في كتابه (الذهبي و منهجه في كتابه تاريخ الإسلام ) وهو يتحدّث عن إنفراد السخاوي بذكر بعض آثار الذهبي: "وهو الوحيد الذي أشار إلى رسالة الذهبي إلى ابن تيمية, مما وثّق نسبتها إليه لا سيما وقد شك فيها غير واحد" ثم أوردها في عدد آثاره, ونقل كلام السخاوي وقال: "وذهب بعضهم إلى القول بأنها مزورة, و لا عبرة بذلك" و كرر ذلك في مقدمته على سير أعلام النبلاء قائلاً : "وأرسل إليه نصيحته الذهبيه التي يلومه وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها". 

وكذلك ألحق الدكتور المحقق صلاح الدين المنجد النصيحة بكتابه (شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين) , قال مُعلّقاً عليها : "شك بعضهم في نسبة هذه النصيحة للذهبي, ولا شك عندنا أنها له, فقد نقلت مخطوطاتها من خط الذهبي, و لم يُنكرها أحد من العلماء الذين نقلوها كتقي الدين بن قاضي شبهة و غيره، ثم إن هذا أُسلوب الذهبي عندما يُهاجم, ويبدو أنه كتبها في آخر عمره، ولم يثن أحد على الشيخ كثناء الذهبي عليه, لكنه انتقده بعد ذلك في بعض الأمور حباً له, وإشفاقاً عليه".

 ثم قال المخالف: بعد أن وضّحنا بما لا يدع مجالاً للشك نسبة الرسالة للذهبي نسرد هذه الرسالة ثم نناقش ما ذُكر فيها بإنصاف[.

نص الرسالة

(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ذلتي، يا رب ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليَّ إيماني، واحزناه على قلة حزني، واأسفاه على السنة وذهاب أهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس. طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتَبًّا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، بلى أعرفُ إنك تقول لي لتنصُرَ نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو جهاد، بلى والله عرفوا خيرًا مما إذا عمل به العبد فقد فاز، وجهلوا شيئًا كثيرًا مما لا يعنيهم و: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". يا رجل بالله عليك كفَّ عنَّا فإنك مِحجاجٌ عليم اللسان لا تقرّ ولا تنام، إياكم والأغلوطات في الدين، كره نبيك صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان"، وكثرة الكلام بغير دليل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام فكيف إذا كان في العبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب؟ والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبشُ دقائق الكفريات الفلسفية لنردَّ عليها بعقولنا، يا رجل قد بلعتَ سموم الفلاسفة ومصنفاتهم مرات، وبكثرة استعمال السموم يُدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن. واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر، وخشية بتذكر، وصمت بتفكر، واهًا لمجلس يُذكرُ فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، لا عند ذكر الصالحين يُذكرون بالازدراء واللعنة، كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخَيتَهما، بالله خلُّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها رأسًا من الضلال قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفّر فهو أكفر من فرعون، وتعد النصارى مثلنا، والله في القلوب شكوك إن سَلِمَ لكَ إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد. يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال، ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليًّا شهوانيًّا لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيدٌ مربوط خفيف العقل، أو عامي كذّاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل. يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟ إلى كم تصدقها وتزدري بالأبرار، إلى كم تعظمها وتصغر العباد، إلى متى تُخاللها وتمقت الزهاد، إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها والله أحاديث الصحيحين، يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تُغيرُ عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار. أما ءان لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب، أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل. بلى والله ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تُصغي إلى وعظي بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول لكَ: والبتة سكتت. فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحبُّ الواد، فكيف يكون حالك عند أعدائك، وأعداؤك والله فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر. قد رضيتُ منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سرًّا :"رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي"، فإني كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علاّم الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين).

ثم قال المخالف : بعد أن سردنا هذه الرسالة سوف نُحاول أن نخُوض في بحار هذه النُصوص حتى نعرف كيف أصبح تلميذ الأمس هو خصم اليوم.

رد الشبهة

هذه الرسالة طار بها فرحا خصوم ابن تيمية رحمه الله من الخلف والسلف، دون تدبر أو تحقيق، وهي في الحقيقة غير صحيحة النسبة للذهبي لأمور عدة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، عجبت كيف فاتت الدكتور المحقق بشار عواد الذي أصر على موقفه الباهت في صحة نسبتها له[88]، ومضمونها وعباراتها تتنافى تماما وأسلوب الحافظ الذهبي الواضح في كتبه وخصوصا عند تطرقه للكلام على ابن تيمية.

والذهبي انتقد ابن تيمية بوضوح، لكن لم يكن بهذه الصورة الممجوجة التي لا تصدر عن عالم مرموق له مكانته، ولو قلنا بها واعتقدنا ما فيها لحكمنا على الذهبي بالجهالة بابن تيمية لما فيها من عبارات تدل على جهل قائلها بابن تيمية ومنهجه العلمي، والذهبي من ألصق الناس به وأعلم أهل عصره بمنهجه العلمي.

وهناك عدة أمور تجعلك ترد نسبة هذه الرسالة للذهبي فضلا عن أن تشك فيها، وهذه الأمور هي:

أولا: انتقد الذهبي ابن تيمية صراحة انتقاد الناصح البصير، وأقواله فيه تُنبيك عن كذب عبارات هذه الرسالة المنحولة الموسومة بالنصيحة، من ذلك قوله فيه: "ومن خالطه وعرفه فقد ينسبني إلى التقصير فيه ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه، وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده".[89]

ومما يثبت معرفة الذهبي الدقيقة به وبعلمه قوله: "كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي r : (لا يحافظ عى الوضوء إلا مؤمن)، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم".[90] والرسالة المنحولة زعموا أن الذهبي كتبها في آخر عمره، ومما قاله الذهبي فيه: "وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين بشرا من البشر، تعتريه حدة في البحث وغضب وشظف للخصم تزرع له عداوة في النفوس، وإلا لو لاطَف خصومه لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بشنوفه مقرون بندور خطائه، وأنه بحر لا ساحل له وكنز لا نظير له ولكن ينقمون عليه أخلاقا وأفعالا، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك".[91]

ثانيا: تفرد السخاوي بذكرها، على الرغم من تقصيه في التاريخ والتراجم، وابن حجر وهو أعلم منه والذي استفاض في ترجمة ابن تيمية في الدرر، ناقلا أغلبه من وصف الذهبي لم يشر إلى هذه الرسالة البتة، كما ترجم للذهبي ولم يذكرها، كما لم تُفهم من أقوال الذهبي في ابن تيمية أنه ناصحه برسالة، على رغم انتقاده له في مواطن.

ثالثا: بعض العبارات الركيكة التي وردت في الرسالة تقدح في صحة نسبتها للذهبي لما فيها من قدح في مكانته العلمية العالية.

رابعا: خلو الرسالة من اسم ابن تيمية أو حتى الإشارة إلى ما يفهم منها أنها له وأنه المعني بما فيها، كما هو معروف من أسلوب الذهبي في وصف ابن تيمية؟

خامسا: وجود عبارة مركبة من حديثين في الرسالة على أنها حديث نبوي، يطعن في مكانة الذهبي وأنه من حفاظ الحديث ونقاده.

سادسا: عبارات وردت في الرسالة تطعن في علم الذهبي، ومكانته العلمية ومعرفته الوثيقة بابن تيمية ومنهجه العلمي كما سيأتي بيانه، إن أصر مخالفنا على نسبتها له دون دليل مادي واضح ملموس، وعلم الذهبي وأسلوبه في تراجمه ومؤلفاته يرفض هذه الرسالة، وهذه العبارات هي:

·       قوله: (واأسفاه على السنة وذهاب أهلها).

قال مقيده عفا الله عنه: تحسر الذهبي على ذهاب السنة وأهلها، وكأن ابن تيمية ليس منهم، بسبب ما صدر منه مما لم يرضه الذهبي – افتراضا -.

وأقول: إن لم يكن ابن تيمية من أهل السنة الأقحاح في نظر الذهبي وغيره فمن يكون؟

ألم يقل الذهبي فيه: "وبرع في علوم الآثار والسنن" وذكر عن أبي الفتح اليعمري قوله: "وكاد يستوعب السنن والآثار حفظا.... إلى أن قال:.... أو ذكر الحديث فهو صاحب علمه وذو رايته".[92]

وقال ابن حجر عن ابن تيمية: "وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل".[93]

فهل يعقل اخراج الذهبي لابن تيمية من أهل السنة؟

·       وقوله: (وتَبًّا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول r : "لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)

قال مقيده عفا الله عنه: وهنا أمران:

الأول: هذا تعريض من الذهبي – افتراضا - بابن تيمية وردوده على المخالفين، وهي في نظره عيوب يجب أن لا يشغل ابن تيمية نفسه بها، ولو صح هذا من الذهبي لكان من أكبر القوادح في ديانته، وانعدام غيرته على شعائر الله وحرماته، وإنكاره على منكري المنكر وبيان أهله والتحذير منهم، حاشاه رحمه الله أن يقف هذا الموقف المشين، ويستقبح من ابن تيمية ما فعله هو، فكم ذكر أناسا مخالفين في العقيدة وبين فساد طريقتهم في كتبه كالميزان وغيره، من باب بيان الحق والنصيحة لدين الله؟

ومما وصف الذهبي ابن تيمية به قوله: "كان موصوفا بفرط الشجاعة والكرم، فارغا عن شهوات المأكل والملبس والجماع، لا لذة له في غير نشر العلم وتدوينه والعمل بمقتضاه".[94]

فهل مثل هذا العالم الإمام مشتغل بتتبع عورات الناس؟؟

الثاني: وهو أقبح من الأول، ذِكر الذهبي – افتراضا - عبارة : (لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، على أنها حديث نبوي، مما ينبيء عن جهله بالحديث ومتونه، وحاشاه وهو الحافظ للحديث وطرقه وعلله، والمميز لصحيحه من ضعيفه وموضوعه، والناقد البصير برجاله جرحا وتعديلا، إذا هذا لايصدر إلا عن مُخَلّط في الأحاديث، لا يصل علمه عشر معشار علم الذهبي رحمه الله، وهذه العبارة ليست حديثا بل مركبة من حديثين:

الأول: حديث: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير).[95]

الثاني: حديث (فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، وهو حديث ناقص من أوله وتتمته: (لا تسبوا الأموات ...).[96]

فياترى هل وصل الحال بالذهبي إلى حد عدم التميز بين النصوص الحديثية وتركيبها؟.

·       وقوله: (بلى أعرفُ إنك تقول لي لتنصُرَ نفسك: إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد r وهو جهاد).

يذكر الذهبي - افتراضا - على لسان ابن تيمية تبرريه الوقيعة في العلماء، والتي هي في نظر الذهبي – افتراضا - كما سبق خوض في عورات الناس.

فيا ترى من هم الذين اتهم الذهبي ابن تيمية الوقيعة بهم ... وهل يعقل أن يقول الذهبي في بعضهم ما عابه على ابن تيمية، ألم يقل الذهبي عن أبي هاشم الجبائي: "وأما أبو هاشم الجبائي وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة بآثار النبوة برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرغر أبو سعيد بحلاوة الإسلام لانتفع بالحديث، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا".[97]

فهذا وأمثاله كابن سينا وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين من ملاحدة المسلمين ممن بين عوارهم ابن تيمية، وللذهبي فيهم كلام على نمط ما قاله ابن تيمية.

ذكر الذهبي عن نصر بن زكريا بإسبيجاب أنه قال: "سمعت محمد بن يحيى الذهلي سمعت يحيى بن معين يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله! فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله ويتعب نفسه ويجاهد فهذا أفضل منه؟ قال: نعم، بكثير".[98]

فهل يتناقض الحافظ الذهبي إلى هذا الحد، وحاشاه رحمه الله؟ فهذا يدل على أن الرسالة كتبت لشخص وقع في أعراض العلماء الصالحين غير ابن تيمية، من غير الذهبي.

·       وقوله: (يا رجل بالله عليك كفَّ عنَّا، فإنك مِحجاجٌ عليم اللسان لا تقرّ ولا تنام، إياكم والأغلوطات في الدين).

ومما يكشف زيف هذه الرسالة إتهام الذهبي – افتراضا - لابن تيمية بالأغلوطات في الدين ثم يصفه بقوله: "فريد العصر علما ومعرفة وذكاء وحفظا وكرما، وزهدا وفرط شجاعة وكثرة تأليف، والله يصلحه ويسدده فلسنا بحمد الله ممن نغلو فيه ولا نجفو عنه، ما رُئي كاملا مثل أئمة التابعين وتابعيهم فما رأيته إلا ببطن كتاب".[99]

 وقال أيضا: "وهو بشر له ذنوب وخطأ، ومع هذا فوالله ما مَقَلا عيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه، كان إماما متبحرا في علوم الديانة صحيح الذهن سريع الإدراك سيال الفهم".[100]

فهل من هذا وصفه يتهم بالأغلوطات.

·       وقوله: (وكثرة الكلام بغير دليل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام).

وهذا من الكذب الصراح، ومن أكبر المطاعن في صحت نسبة الرسالة للحافظ الذهبي، إذ لا تكاد تجد تحليلا علميا لمسألة شرعية، ذكرها ابن تيمية دون استدلا من الكتاب والسنة، وكم امتدحه الذهبي في ذلك مما يدل على معرفته الوثيقة بعلمه، فمما قاله عنه ما نقله الحافظ ابن حجر: "ولا كان متلاعبا بالدين ولا ينفرد بمسائله بالتَشهّي، ولا يطلق لسانه بما اتفق، بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس، ويبرهن ويناظر أسوة من تقدمه من الأئمة، فله أجر على خطائه وأجران على إصابته".[101]

كما ينقل الحافظ ابن حجر عن الذهبي قوله: "كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسالة من مسائل الخلاف، واستدل ورجع وكان يحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه، قال: وما رأيت أسرع انتزاعا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه، كأن السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة".[102]

كما ذكر الذهبي عن أبي الفتح اليعمري قوله: "وكاد يستوعب السنن والآثار حفظا".[103]

فهل بعد هذا نعتقد نسبة هذه الرسالة المنحولة للذهبي رحمه الله، وهل يعقل أن يتهم الذهبي ابن تيمية بذلك؟

·       وقوله: (فكيف إذا كان في العبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب).

لقد انتقد الذهبي نفسه اليونسية فتكلم على أحد شيوخها فقال: "يونس بن يوسف ابن مساعد الشيباني، المخارقي الجزري القنيي الزاهد أحد الأعلام، شيخ اليونسية أولي الزعارة والشطح والخواثة وخفة العقل،كان ذا كشف وحال ولم يكن عنده كبير علم، وله شطح وشعر ملحون ينظمه على لسان الربوبية، وبعضه كأنه كذب والله أعلم بسره، فلا يغتر المسلم بكشف ولا بحال ولا بإخبار عن مغيب، فابن صائد وإخوانه الكهنة لهم خوارق والرهبان، فيهم من قد تمزق جوعا وخلوة ومراقبة على غير أساس ولا توحيد، فصفت كدورات أنفسهم وكاشفوا وفشروا ولا قدوة إلا في أهل الصفوة وأرباب الولاية المنوطة بالعلم والسنن فنسأل الله إيمان المتقين وتأله المخلصين فكثير من المشايخ نتوقف في أمرهم حتى يتبرهن لنا أمرهم وبالله الاستعانة".[104]

فهل يعقل أن يعيب الذهبي على ابن تيمية ما فعله هو؟

·       وقوله: (فإلى كم تنبشُ دقائق الكفريات الفلسفية لنردَّ عليها بعقولنا).

نبش الذهبي بعض ما عابه على ابن تيمية – افتراضا – نبشه من دقائق الكفريات، فقد وصف أبا حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس، نزيل نواحي فارس بأنه صاحب زندقة وانحلال.[105]

وقال عن تأئية ابن الفارض: "فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الإتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين إلا تغضبون لله فلا حول ولا قوة إلا بالله".[106]

وقال عن أبي عبدالرحمن السلمي: "وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة، وفي حقائق تفسيره أشياء لا تسوغ أصلا عدها بعض الائمة من زندقة الباطنية، وعدها بعضهم عرفانا وحقيقة، نعوذ بالله من الضلال ومن الكلام بهوى فإن الخير كل الخير في متابعة السنة والتمسك بهدي الصحابة والتابعين y".[107]

وقال أيضا: " والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيات الفلاسفة وبعض رياضتهم بل أكثره".[108]

وغيره كثير في ثنايا كتبه، فهل يحل الذهبي لنفسه ما حرمه على ابن تيمية، أم أن الرسالة منحولة مكذوبة على الحافظ الذهبي؟؟

·       وقوله: (يا رجل قد بلعتَ سموم الفلاسفة ومصنفاتهم مرات، وبكثرة استعمال السموم يُدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن).

أما الذي ابتلع علوم الفلاسفة فالمشهور بذلك هو أبو حامد الغزالي، كما نقله الذهبي عن أبي بكر بن العربي أنه قال: "شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع".[109]

وذكر أيضا: "قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد الإحياء بالكذب على رسول الله r ، فلا أعلم كتابا على بسيط الأرض أكثر كذبا منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق".[110]

قال مقيده عفا الله عنه: فأين هذا من هذا، خلط الغزالي كتبه بالفلسفة، فهل فعل هذا ابن تيمية أم العكس هو الصحيح؟

·       وقوله: (واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر، وخشية بتذكر، وصمت بتفكر).

عبارة الذهبي – افتراضا - في سياق الإستنكار على مجلس ابن تيمية، وكأنه خال مما ذكره.

أما مجلس ابن تيمية فالذهبي من أعرف الناس به، ينقل ابن حجر وصف الذهبي له بقوله: "ولم أر مثله في ابتهاله واستغاثته وكثرة توجهه".[111]

كما نقل عنه أيضا: "وكان دائم الابتهال كثير الإستعانة قوي التوكل رابط الجأش له أوراد وأذكار يدمنها قلبية وجمعية".[112]

فهل بعد هذا نصدق أن هذه رسالة الذهبي نصيحةً لمن هذا حاله؟

·       وقوله: (يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال ولا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليًّا شهوانيًّا، لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيدٌ مربوط خفيف العقل، أو عامي كذّاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل).

وهذا من القوادح العِظام في صحة هذه النصيحة المزعومة. فأما أتباع ابن تيمية فالذهبي من كبار كبارهم ، فهل تعرض للزندقة والإنحلال، وأسوق ما قاله السبكي في أتباع ابن تيمية ومنهم الذهبي، فقال: "واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزال،ي وكثيرا من أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا، وحملهم على عظائم الأمور أمرا ليس هينا، وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم، وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم. وكان للمزي ديانة متينة وعبادة وسكون وخير".[113]

ومما يقدح في هذه النصيحة المفضوحة دفاع الذهبي نفسه عن ابن تيمية ورده على السبكي، كما نقله ابن حجر عنه فقال: "وكتب الذهبي إلى السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية، فأجابه ومن جملة الجواب: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين، فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل فيما مضى من أزمان".[114]

وقال أيضا عن أصحابه الحنابلة: "وأما الحنابلة فعندهم علوم نافعة وفيهم دين في الجملة، ولهم قلة حظ في الدنيا، والجهال يتكلمون في عقيدتهم ويرمونهم بالتجسيم وبأنه يلزمهم وهم بريئون من ذلك إلا النادر والله يغفر لهم".[115]

فهل ما زلنا نعتقد صحة هذه النصيحة المزعومة.

·       وقال: (يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تُغيرُ عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار).

وهذا من الطوام التي لا تصدق لمن خَبَر كلام ابن تيمية في الصحيحين، ومن أقواله فيهما:

قوله: "جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقوها بالقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علما قطعيا أن النبى قالها".[116] وقوله: "أكثر متون الصحيحين معلومة متقنة، تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق، واجمعوا على صحتها وإجماعهم معصوم من الخطأ".[117] وقوله: "أهل الحديث يعلمون صدق متون الصحيحين، ويعلمون كذب الأحاديث الموضوعة التي يجزمون بأنها كذب بأسباب عرفوا بها ذلك".[118]

وقوله: "كتاب البخارى أجل ما صنف فى هذا الباب والبخارى من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه".[119] وقوله: "فى البخارى نفسه ثلاثة أحاديث نازعه بعض الناس فى صحتها، مثل حديث أبى بكرة عن النبى r أنه قال عن الحسن: (إن إبنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فقد نازعه طائفة منهم أبوالوليد الباجى، وزعموا أن الحسن لم يسمعه من أبى بكرة، لكن الصواب مع البخارى وأن الحسن سمعه من أبى بكرة، كما قد بين ذلك فى غير هذا الموضع، وقد ثبت ذلك فى غير هذا الموضع، والبخارى أحذق وأخبر الفن من مسلم، ولهذا لا يتفقان على حديث إلا يكون صحيحا لا ريب فيه، قد إتفق أهل العلم على صحته، ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخارى، ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة، ثم قد يكون الصواب مع من ضعفها، كمثل صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع، وقد يكون الصواب مع مسلم وهذا أكثر".[120]

وقوله: "جمهور ما أنكر على البخارى مما صححه، يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع فى عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى فى حديث الكسوف).[121]

فهل هذه الأقوال تصدر ممن يُغِير على الصحيحين بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار.

ختاما لقد أثبتنا بفضل الله ومَنّه بما لا يدع مجالا لشاك ولا قولا لمرتاب، عدم صحة نسبة هذه الرسالة الركيكة المعاني الضعيفة المباني للحافظ الذهبي، ومن أصر على موقفه فهو أضل من ضَبّ.

كلمة ذهبية أخيرة في حق الإمام ابن تيمية

وإمعانا منا في نسف القول بصحة هذه الرسالة المنحولة للحافظ الذهبي، نسوق له كلمة ذهبية في حق أخيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى لما تكلم في زغل العلم على (علم أصول الدين):

"أصول الدين هو اسم عظيم وهو منطبق على حفظ الكتاب والسنة، فهما أصول دين الإسلام ليس إلا، وأما العرف في هذا الإسم فهو مختلف باختلاف النحل.

فأصول دين السلف الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته وبصفاته وبالقدر، وبأن القرآن المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق، والترضي عن كل الصحابة إلى غير ذلك من أصول السنة.

وأصول دين الخلف هو ما صنفوا فيه وبنوه على العقل والمنطق.

فما كان السلف يحطون على سالكله ويبدعونه، وبينهم اختلاف شديد في مسائل مزمنة، تركها من حسن اسلام العبد فإنه يورث أمراضا في القلوب، ومن لم يصدقني يجرب فإن الأصولية بينهم السيف يكفر هذا هذا، ويضلل هذا هذا، فالأصولي الواقف مع الظواهر الآثار عند خصومه يجعلونه مجسما وحشويا ومبتدعا، والأصولي الذي طرد التأويل عند الآخرين جهميا ومعتزليا وضالا، والأصولي الذي أثبت بعض الصفات ونفى بعضها وتأول في أماكن يقولون: متناقضا والسلامة والعافية أولى بك.

فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وأراء الأوائل ومجازات العقول واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا على محياه سيما السلف، ثم صار مظلما مكسوفا عليه قتمة عند خلائق الناس، ودجالا أفاكا كافرا عند أعدائه، ومبتدعا فاضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء الفضلاء، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيي السنة عند عوام أصحابه هو ما أقول لك".[122]

فبعد هذا البيان فليس لأهل البهتان حجة أو برهان في كذب الرسالة الذهبية في حق شيخ الإسلام ابن تيمية، والله أعلم.

 

 

 

الشبهة الخامسة عشر: تلقين الميت

قال المخالف: (ولازلنا نخوض بحر تقديس ابن تيمية للصوفية ومُتابعته لأفعالهم وأقوالهم وتحليله والتماس العُذر لهم. زُرت المقابر ... حاولت أن تُلقّن الميت الشهادتين. بماذا .. قُوبلت ؟ تبديع .. تفسيق .. تشريك .. قبوري. نترككم الآن مع محب الصوفية و مقدّسهم لتعلموا حُكمه في ذلك).

ثم ساق من كلامه ما نصه: " وروي في تلقين الميت بعد الدفن حديث فيه نظر لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين مع روايتهم له فلذلك استحبه أكثر أصحابنا وغيرهم.

 فهذا ونحوه مما كان النبي r يفعله ويأمر به أمته عند قبور المسلمين عقب الدفن وعند زيارتهم أو المرور بهم إنما هو تحية للميت كما يُحَيِّى الحَي ويدعي له كما يدعي له إذا صلى عليه قبل الدفن أو بعده وفي ضمن الدعاء للميت دعاء الحي لنفسه ولسائر المسلمين كما أن الصلاة على الجنازة فيها الدعاء للمصلي ولسائر المسلمين وتخصيص الميت بالدعاء له".[123]

رد الشبهة

لا دخل الصوفية في تلقين الميت الشهادتين، فتلقين الميت الشهادتين سنة نبوية إسلامية، وليست صوفية طرقية، وليس في كلام ابن تيمية السابق تقديس لهم ولا متابعة لأفعالهم ولاالتماس العُذر لهم، فليس الصوفية من قال بالتلقين، ولا أمر الناس به وشرّعه ووافقهم عليه ابن تيمية، وإنما الذي شرّعه رسول الله r كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة t.[124]

ولم يقل ابن تيمية باستحباب التلقين – الآتي ذِكر حديثه - ولا ذَكَر أن الصوفية يفعلونه، وليس لهم ذكر في كلامه لا منطوقا ولا مفهوما، فهذا كله من رأس المخالف وتوهماته، كما حكم ابن تيمية بضعف الحديث الوارد فيه؟

ولعل الإنكار الذي حصل للمعترض أثناء تلقينه لميت، هو لأجل النوع الآخر من التلقين وهو قولك للميت بعد الدفن: "يا فلان ابن فلانة فيستوي قاعدا، ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعونه فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة إلا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما".

فهذا حديث فيه مقال، ومع ذلك قال به بعض أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، كما قال ابن تيمية، وذكر كراهة بعض أصحاب مالك وغيرهم له.[125]

وأيضا بدّع فِعله بعض أهل العلم، قال الصنعاني رحمه الله:

"قال في المنار: إن حديث التلقين هذا حديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث في وضعه، وأنه أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن حمزة بن حبيب، عن أشياخ له من أهل حمص فالمسئلة حمصية، وأما جعل: اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل شاهدا له فلا شهادة فيه، وكذلك أمر عمرو بن العاص بالوقوف عند قبره، مقدار ما ينحر جزور ليستأنس بهم عند مراجعة رسل ربه، لا شهادة فيه على التلقين وابن القيم جزم في الهدى بمثل كلام المنار، وأما في كتاب الروح فإنه جعل حديث التلقين من أدلة سماع الميت لكلام الأحياء، وجعل اتصال العمل بحديث التلقين من غير نكير كافيا في العمل به، ولم يحكم له بالصحة بل قال في كتاب الروح إنه حديث ضعيف، ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله".[126]

فهذا كلام إمام من أئمة الدين المحققين من أهل اليمن – لا أهل نجد - أهل الحكمة والإيمان بنص حديث رسول الله r، في بدعية هذا النوع من التلقين؟.

وفاعله ليس فاسقا ولا مشركا، وإن صدق المخالف في دعواه فقد أخطأ من وصفه بتلك الأوصاف التي لا تليق بمسلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة السادسة عشر: طلاسم ذوقية

قال المخالف:

قال المخالف: (ابن تيمية الصوفي ذوقاً و مشرباً، طَلاسِمْ لا يَفْهَمْهَا حَتَّى أَقْرَب النَاسِ إِلَيْه تَلْمِيذُه اِبْن قَيِّم الجَوْزِيَّة !! فقط لأنه لم يرتق ما ارتقاه شيخه من مقامات التصوّف !!  طلاسم ذوقية عجيبة: "ما لي شيء .. ولا مني شيء .. ولا في شيء" 

تواضع صُوفي يظن من يقرأه من الوهابية أنه تخريف!! "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا").

ثم ساق من كلام ابن القيم في شيخه ابن تيمية ما نصه:

"ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرا : ما لي شيء ولا مني شيء ولا في شيء وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت

أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي

وكان إذا أُثنيَ عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلاما جيدا".[127]

ثم قال المخالف بعد ذلك: (ولا ننس قول ابن قيّم الجوزية في حق شيخه : " قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ ". فما هو هذا السر الصوفي الذي لم يعرفه التلميذ ؟! هل هذا السر هو ما يقول عنه الصوفيّة علم الحقيقة ؟!)

رد الشبهة

ترى ما هي الطَلاسِمْ التي لم يَفْهَمْهَا أَقرب النَاسِ إِلَيْه تَلْمِيذُه اِبْن قَيِّم الجَوْزِيَّة !!

وهل عرف المخالف معنى الطلاسم، أم أنه يَهرف بما لا يَعرف، وهذه حقيقته فالرجل متعالم لا يعرف ما ينطق به وهذا منه، حيث جهل معنى الطلاسم.

والطلسم واحد الطلاسم، ومعنى الطلسم عقد لا ينحل، وهو علم باحث عن كيفية تركيب القوى السماوية الفعالة، مع القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل، والتأثير المقصود مع بخورات مقوية جالبة لروحانية الطلسم، ليظهر من تلك الأمور في عالم الكون والفساد افعال غريبة، وهو قريب المأخذ بالنسبة الى السحر لكون مباديه واسبابه معلومة.[128]

وعلم الطلسمات متعلق باستخدام الجن وعبادتهم وتعظيمهم.[129] كما أن له تعلق بالسحر، قال القنوجي: "السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات، وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون. ويقولون: السحر اتحاد روح بروح، والطلسم اتحاد روح بجسم، ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية، والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب، ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة".[130]

وقال أيضا: "واما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات، وجعلتهما بابا واحدا محظورا، لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا، الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا، وما لا يهمنا في شيء منهما، فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر، كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع، يلحق به الطلسمات لأن اثرهما واحد، وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير، فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى".[131]

فهل ما قاله ابن تيمية رحمه الله طلاسم كما زعم المتعالم المخالف، أم هو منتهى التواضع والسكون والخشوع والرضى لله عزوجل.

الشبهة السابعة عشر: تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية

قال المخالف: (تلاميذ تربّوا في حجر شيخ مقدّس للصوفية ... لابد أن يتشربوا بذوقياته الصوفية. 

الإمام الحافظ ابن كثير تلميذ ابن تيمية ... وسيره على طريق شيخه). 

ثم ذكر المخالف عن الحافظ ابن كثير قوله:

"روى البيهقي عن الربيع قال : بعثني الشافعي بكتاب من مصر إلى أحمد بن حنبل، فأتيته وقد انفتل من صلاة الفجر، فدفعت إليه الكتاب فقال: أقرأته فقلت: لا، فأخذه فقرأه فدمعت عيناه! فقلت: يا أبا عبدالله وما فيه؟ فقال: يذكر أنه رأى رسول الله r في المنام فقال: أكتب إلى عبد الله أحمد بن حنبل، وأقرأ عليه السلام مني، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى القول بخلق القرآن، فلا تجبهم ويرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: حلاوة البشارة فخلع قميصة الذي يلي جلده فأعطانيه، فلما رجعت إلى الشافعي أخبرته، فقال: إني لست أفجعك فيه ولكن بله بالماء وأعطينيه حتى اتبرك به.

ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة أثابهم الله الجنة قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق ."[132]

 وقال المخالف: (الثوب الذي يلي الجسد تكون له من بركة الجسد .. فانظر لهؤلاء الأئمة !!).

ثم ذكر المخالف وصف ابن كثير لجنازة ابن تيمية فقال:

"حضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه، وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن، وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا، ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن، واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله أخرج، ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع ."[133]

قال المخالف: (التبرك برُؤية الصالحين مأثور كذلك عن الصُوفية )،

واستمر في ذكر وصف جنازته فقال:

"وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسّل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير."[134]

قال المخالف: (بقية الولي الصالح مذكورة كذلك عن الصوفية .. ولعل ماذُكر في الطاقية شبيه بخرقة الصُوفية).

ثم  ذكر عن ابن كثير: "ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".[135]

قال المخالف: (الإستبشار بالمنامات والمرائي الصالحة كذلك مأثور عن الصوفية).

ونقل عنه أيضا قوله:

"وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الايام الثلاثة، وكذلك جماعة من علماء الشافعية، وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره، وعليه الجلالة والوقار حمه الله، وعملت له ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".[136]

ثم قال المخالف: (الختمات إختصار لقراءة القُرآن عدة مرات وإهداء ثوابها للميت وهي مأثورة عن الصُوفية).

ثم نقل عن ابن كثير أمرا آخر فقال:

"وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز، وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ يا محمداه".[137] 

ثم قال المخالف: (التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية )، لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية
فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية.
انتهى كلام المخالف.

رد الشبهة

ذكر المخالف عدة أمور في التبرك، وليس كل التبرك مقبولا وليس كله مرفوضا، فما وافق الشرع قبل وحُضّ عليه وما وخالفه منع وحُذّر منه، ثم يلزمنا معرفة ما هو التبرك.

فالتبرك في رأي شعور معنوي نفسي يختلج في نفس المُتَبَرّك تجاه ما يُتبرك به سواء كان بشرا كنبي أو عالم صالح ولي، أو قرآن أو عند شرب زمزم ونحوه مما وردت نصوص الشريعة في بركته وهو كثير، ويكون شعورا ماديا ملموسا كقوله r : (اتخذوا الغنم فإنها بركة)[138]، فالبركة الملموسة هو النماء والزيادة والخير الذي يحصل من كثرة توالدها والإستفادة من نتاجها.

ولإشتقاق الكلمة معان بنحوه، ففي لسان العرب:

"البركة النماء والزيادة، والتبريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، يقال: بَرّكت عليه تبريكا أي قلت له: بارك الله عليك، وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه، وضع فيه البركة، وطعام بَريك كأنه مبارك، وقال الفراء في قوله تعالى {رحمة الله و بركاته عليكم} قال: البركات السعادة، قال أبو منصور: وكذلك قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي فقد نال السعادة المباركة الدائمة".[139]

قال مقيده عفا الله عنه: أما الأمور التي ذكرها المخالف فهي:

الأول: ذكر قصة رؤيا الشافعي لأحمد بن حنبل التي رواها البيهقي، وفيها تبرك الشافعي بغسالة ثوب أحمد الذي أعطاه للربيع.

وهذه القصة رواها ابن عساكر من طريق البيهقي فقال:

"أخبرني أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قراءة عليه قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا القاسم بن صدقة يقول سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي يقول قال لي الربيع إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به…".[140]

ومن طريق ابن عساكر أخرجها السبكي في طبقاته الكبرى.[141]

وهي قصة معلولة لا يصح الإحتجاج بها وفيها:

               1.       أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي. شيخ البيهقي، قال الحافظ: " شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة روى عن الأصم وطبقته وعنى بالحديث ورجاله، وسئل الدارقطني قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان يضع الأحاديث للصوفية".[142]

               2.       محمد بن عبد الله بن شاذان. قال الحافظ: "محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان، أبو بكر الرازي الصوفي صاحب تلك الحكايات المنكرة، روى عنه الشيخ أبو عبد الرحمن أوابد وعجائب وهو متهم طعن فيه الحاكم".[143]

قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال القصة الواهية، وهي كحال رواتها الصوفية ومدارها عليهما، ولم أقف على من فوقهما، فلا يحتج بها ولا كرامة.

الثاني: ذكر المخالف تبركات حصلت في جنازة ابن تيمية.

وأقول: أما التبرك برؤيته وتقبيله، فلا شيء فيه، إذ رؤية العالم الرباني وهو ميت تؤثر في الرائي، أما التقبيل فقد قبل أبو بكر النبي r وهو ميت.[144]

الثالث: ثم ذكر المخالف شرب جماعة فضل غسله، واقتسام بقية السدر، ودُفِع في متعلقاته نقودا كخيط الزئبق الذي كان في عنقه و الطاقية التي كانت على رأسه."

فأقول: أما هذا فأي بركة فيه، وما ذا سيحصل لمن فعله ودفع مالا لاقتناء ذلك؟ إلا أن يكون الإقتناء على وجه الذكرى، كونها لعالم مشهور وهذا هو الظاهر؟

ثم قياس المخالف الطاقية على الخرقة الصوفية لا معنى له البتة، فالطاقية تلبس عادة أما الخرقة عند الصوفي فتلبس عقيدة ودينا ومنهجا.

الرابع: ثم ذكر المخالف رؤية المنامات له، وهذا لا شيء فيه وتلك عاجل بشرى المؤمن؟ كما صح عن النبي r، ولا دخل للصوفية فيه، إذ مرائيهم تشريع لهم ولا أدل على ذلك مما ذكره السيوطي في حاويه: "أن رجلا اسمه خليفة بن موسى النهر ملكي، أنه كان كثير الرؤية لرسول الله r يقظة ومناما، فكان يقال: إن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة وإما مناما".[145]

الخامس: ذكر المخالف تردد بعض أهل العلم لزيارة قبره وتكرار ذلك، وهذا أيضا لا شيء فيه إذ هو من باب الزيارة الشرعية، وهو يختلف عن زيارة الصوفية وأصحاب الطرق لقبور ومشاهد وأضرحة أقطابهم، إذ يصحب ذلك توسلات واستغاثات وطواف ونذور؟

السادس: ثم ذكر قراءة الختمات وإهداء ثوابها للميت، وهي مسألة فقهية لا تعلق لها بالصوفية ولا بما يطمح له المخالف، وابن تيمية وغيره يرى وصول ثوابها للميت.[146]

 السابع: ثم ذكر أن شعار المسلمين يوم مقتل مسيلمة كان (يا محمداه)، على سبيل جواز الإستغاثة بالنبي r.

وهي قصة معلولة مسلسلة بالضعفاء لا يحتج بها المحققون من أهل العلم، وإنما هي من حجج الخرافيين، ومن يحتج بالنطيحة والموقوذة وما أكل السبع أمثال المخالف، أخرجها الطبري بسنده في تاريخه فقال: "كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم قد شهدها مع خالد قال….".[147]

وعلتها:

               1.       جهالة الرجل السحيمي الراوي عن خالد بن الواليد.

               2.       الضحاك بن يربوع قال الذهبي: "قال الأزدي: حديثه ليس بالقائم".[148]

               3.       سيف بن عمر التميمي الأسدي قال الذهبي: "له تواليف متروك باتفاق، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة. قلت: أدرك التابعين وقد اتهم، قال ابن حبان: يروي الموضوعات".[149]

               4.       شعيب هو ابن إبراهيم الكوفى قال ابن حجر: "راوية كتب سيف عنه فيه جهالة انتهى. ذكره ابن عدى وقال: ليس بالمعروف وله أحاديث وأخبار وفيه بعض النكرة وفيها ما فيه تحامل على السلف".[150]

قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال قصة "يامحمداه"، التي قال فيها المخالف: "التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية"، ومن المأثور عنهم كذلك عند القبور والأضرحة والمشاهد "الصراخ والصياح والعويل، على هيئة استغاثات وتوسلات وطلب الحوائج من الأموات". وليس هذا مأثورا عن النبي r ولا أصحابه y ولا التابعين لهم بإحسان، وإنما هو مقتبس من دين الرافضة.

الثامن: قال المخالف: "لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية، فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية".

قال مقيده عفا الله عنه: هذا سفسطة من القول، فابن كثير لم ينهج منهج ابن تيمية كما زعم، وانما هو مجرد ناقل وليس بمعتقد، ولا يستطيع المخالف اثبات اعتقاد ابن كثير لماينقل البتة، وناقل الكفر ليس بكافر، كما أن ناقل الشركيات والبدع ليس بمشرك ولا مبتدع؟ وأسوق هنا بعض ما قاله ابن كثير في هذا الموضوع مما ينسف مذهب المخالف المتعالم من جذوره:

قال ابن كثير رحمه الله: "وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي r بتسويه القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام".[151]

وقال أيضا في ترجمة "الخضر بن نصر": "وترجمه ابن خلكان في الوفيات وقال: قبره يزار وقد زرته غير مرة، ورأيت الناس ينتابون قبره يتبركون به". فتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور".[152]

فأين هذه العقيدة السلفية التي أثبتها ابن كثير السلفي لنفسه، تلميذ إمام السلفية في وقته مما يريد المخالف القبوري إثباته له.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الثامنة عشر: لولاك ما خلقت الأفلاك

قال المخالف: (اليوم يحدثنا عن مقام الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "لأجل محمد r خُلقت جميع المخلوقات").

ثم ذكر من كلام ابن تيمية ما نصه: "والله خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام، وكان آخر الخلق يوم الجمعة وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق، خلق يوم الجمعة بعد العصر فى آخر يوم الجمعة، وسيد ولد آدم هو محمد r، آدم فمن دونه تحت لوائه قال r: (إنى عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينته)، أى كتبت نبوتى واظهرت لمّا خلق آدم قبل نفخ الروح فيه، كما يكتب الله رزق العبد واجله وعمله وشقى أو سعيد، إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه، فاذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها، وهو الجامع لما فيها وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا، ومحمد إنسان هذا العين وقطب هذه الرحى وأقسام هذا الجمع، كان كأنها غاية الغايات فى المخلوقات فما ينكر أن يقال: أنه لاجله خلقت جميعها، وأنه لولاه لما خلقت، فاذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قُبل ذلك".[153]

رد الشبهة

مشكلة المخالف مشكلة عدم فهم النصوص وبترها، فيأخذ ما يريد لأجل هواه، فهو لم ينظر في أول كلام ابن تيمية، كما لم يكمل بقية كلامه، وأيضا لم يفهم آخر كلامه الذي نقله هنا.

أما آخر كلامه السابق المنقول والذي لم يفهمه المخالف هو قوله: " فاذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قُبل ذلك".

قلت: وتفسير الكتاب والسنة هو ما ذكره ابن تيمية في أول كلامه وهو الآتي:

"ومحمد سيد ولد آدم وافضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم، أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا، ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا، لكن ليس هذا حديثا عن النبى r لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبى r، بل ولا يعرف عن الصحابة، بل هو كلام لا يدرى قائله ويمكن أن يفسر بوجه صحيح كقوله: {سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض}، وقوله: {وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، وأمثال ذلك من الآيات التى يبين فيها أنه خلق المخلوقات لبنى آدم، ومعلوم أن لله فيها حِكما عظيمة غير ذلك وأعظم من ذلك، ولكن يبين لبنى آدم ما فيها من المنفعة وما أسبغ عليهم، فإذا قيل فعل كذا لكذا لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى.

وكذلك قول القائل: (لو لا كذا ما خلق كذا)، لا يقتضى أن لا يكون فيه حكم أخرى عظيمة، بل يقتضى إذا كان أفضل صالحى بنى آدم محمد، وكانت خلقته غاية مطلوبة وحكمة بالغة مقصودة، أعظم من غيره صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد r ".[154]

فهذا النص بتمامه من أوله حتى نَقْل المخالف لبقيته، فما دخل التصوف والتذوق، إلى آخر المصطلحات الصوفية التي أطلقها المخالف على شيخ الإسلام ابن تيمية فرحا بها والله لا يحب الفرحين.

أما بقية كلام ابن تيمية الذي لم نقله المخالف هو: "واما إذا حصل فى ذلك غلو من جنس غلو النصارى، باشراك بعض المخلوقات فى شىء من الربوبية، كان ذلك مردودا غير مقبول".[155]

وهو ما حصل من المتصوفة في حق النبي r ولهم في ذلك قصب السبق مثل قولهم بأن النبي r أصل الكائنات ومن نوره خلقت، وسجود الملائكة لم يكن لآدم وإنما لأجل نوره الذي ظهر في جبين آدم إلى غير ذلك مما بسطنا القول فيه في بحث مستقل عن عقائد الصوفية.

يقول الدكتور زكي مبارك وهو من دارسي التصوف وبالخصوص الأدب الصوفي، ومما قال له في ذلك: "وقول البوصيري:

دع ما أدعته النصارى في نبيهم وأحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

فيه انحراف عن هذه النظرية، لأن ما ادعته النصارى لعيسى عين ما ادعته الصوفية لمحمد، فعيسى عند النصارى رب ولكن له أب هو رب الأرباب! وكذلك محمد عند الصوفية رب له أصل هو الذات الأحدية".[156]

ثم يبين الدكتور مبارك رحمه الله كيف أن الصوفية قلدوا النصارى في تأليه عيسى فألهوا النبي r فقال: "إلى هنا عرف القاريء كيف نشأ الإغراق في مدح الرسول، فهو قائم على أساس القول بوحدة الوجود، وقد صح عندي بعد التأمل الذي دام بضع سنين، أن الصوفية أرادوا أن ينتهبوا شخصية المسيح ليضفوا ثوبها على نبي الإسلام، فإذا كان المسيح ابن الله كما يزعم النصارى، فمحمد أرفع من ذلك لأن محمدا يقدر على كل شيء، وهو أصل الوجود ولولاه لما ظهر عن الله شيء".[157]

قال مقيده عفا الله عنه: فهذا هو الفرق بيننا وبين الصوفية في النظر إلى نبينا الكريم r فتنبه!

 

 

 

 

الشبهة التاسعة عشر: مكاشفات وكرامات

قال المخالف: (التلميذ يروي عن شيخه! هل يكذب التلميذ على شيخه ؟ لن يصدّقك أحد إن قلت ذلك ..لأن أفضل من يروي عن الشيخ تلاميذه المُخلصين ..

والآن مع عجائب و دقائق يرويها تلميذ عن شيخه قد بلغ في مراتب الصلاح إلى هذا الحد !! و الآن مع ابن قيّم الجوزية مع شيخه ابن تيمية صاحب الكرامات و المُكاشفات).

ثم ساق المخالف من كلام ابن القيم ما نصه:

" وقلت له يوما لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح، فقال: لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال شهرا، وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي، مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني، وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها، وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم".[158]

رد الشبهة

ذكر ابن القيم هذا الكلام في سياق كلامه عن الفراسة من النوع الثالث وهي الفراسة الخلقية، وذكر شيخه ابن تيمية وغيره لوجود الصفات الخاصة بهذا النوع من الفراسة في شخصية ابن تيمية، ومما قاله في ذلك:

"وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخَلْق على الخُلُق لما بينهما من الإرتباط الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبره وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه على سعة خُلق صاحبه، واحتماله وبسطته وبضيقه على ضيقه، وبخمود العين وكلال نظرها على بلادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه وبشدة بياضها مع إشرابه بحمرة، وهو الشكل على شجاعته وإقدامه وفطنته، وبتدويرها مع حمرتها وكثرة تقلبها على خيانته ومكره وخداعه، ومعظم تعلق الفراسة بالعين فإنها مرآة القلب وعنوان ما فيه ثم باللسان فإنه رسوله وترجمانه….".[159]

ثم قال: "وللفراسة سببان:

أحدهما: جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته.

والثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه.

 فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطىء للعبد فراسة وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراسته بين بين، وكان إياس بن معاوية من أعظم الناس فراسة وله الوقائع المشهورة وكذلك الشافعي رحمة الله وقيل إن له فيها تآليف ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما…".[160]

قال مقيده عفا الله عنه: وهذا يدل على عدم فراسة المخالف، والإنتقائية في الكلام التي تدل على التعالم.

 

 

 

 

 

الشبهة العشرون: منازعة القدر

قال المخالف: (الإمام الصوفي المقدّس لدى ابن تيمية الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول : (الرجل من يكون منازعا للقدر ,لا من يكون موافقا للقدر)، ثم يأتي تفسير الذوّاق لكلام الصوفية ابن تيمية).

ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه:

" وهذا   مقام عظيم   فيه غلط الغالطون، وكثر فيه الاشتباه على السالكين، حتى زلق فيه من أكابر الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان، مالا يحصيهم إلا الله الذى يعلم السر والإعلان، وإلى هذا أشار الشيخ عبد القادر رحمه الله فيما ذُكر عنه، فبين أن كثيرا من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، إلا أنا فإنى انفتحت لى فيه روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعا للقدر لا من يكون موافقا للقدر. والذى ذكره الشيخ رحمه الله هو الذى امر الله به ورسوله، لكن كثير من الرجال غلطوا، فإنهم قد يشهدون ما يُقَدّر على احدهم من المعاصى والذنوب، أو ما يُقَدّر على الناس من ذلك، بل من الكفر، ويشهدون أن هذا جار بمشيئة الله، وقضائُه وقدرُه داخل فى حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته، فيظنون الإستسلام لذلك وموافقته والرضا به ونحو ذلك دينا وطريقا وعبادة، فيضاهون المشركين الذين قالوا: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، وقالوا: {أنطعم من لويشاء الله اطعمه}، وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}".[161]

رد الشبهة

وكعادة المخالف، يورد من كلام ابن تيمية ما يظنه تصوفا وليس كذلك، وينسى تعالما قراءة ما قبل ومابعد، ليتسنى له معرفة السبب الذي لأجله قال ابن تيمية ما قال وفهمه، فابن تيمية ذكر هذا الكلام عن عبدالقادر الجيلاني في كتابه العبودية في سياق تحليله العلمي للعبادة والعَبْد، وذكر ما يتعلق بذلك من الكتاب والسنة، وأن العبادة هي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ومثّل لهذه الأمور بأدلة من الكتاب والسنة، وأن هذه العبادة هي التي المحبوبة والمرضية له سبحانه، ولأجلها خلق الخلق وأرسل الرسل، وأن من اصطفى سبحانه من عباده نعتهم بالعبودية، كقوله فيهم: (عباد الله وعباد الرحمن وعبادي) ونحوه.

ثم بين رحمه الله أن العبادة أصلها الذل، وأن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل والحب، وأن الله سبحانه يجب أن يكون أحب شيء للعبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، وأن لا يستحق المحبة والذل التام إلا هو سبحانه.

ثم حرر رحمه الله القول في العبد، وأن المراد به المُعَبّد الذي عبّده الله فذلّله ودبّره وصرّفه، وأنه بهذا الإعتبار جميع المخلوقين برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم، عباد لله تحت مشيئته وقدرته، فهو خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم، عرفوا ذلك أو أنكروا علموا أو جهلوا.

ثم بين رحمه الله أن معرفة الحق سبحانه، إذا كانت مع الإستكبار والجحود كانت عذابا على صاحبها، وبين أن العبد قد يعترف أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه ومحتاج، فهذا عرف العبودية المتعلقة بالربوبية، وأن مثل هذا العبد قد يتضرع لربه ويتوكل عليه، وهذا النوع من العبيد قد يطيع ويعصي ويشرك معه غيره، فهذا النوع لا يصير مؤمنا واستدل بقوله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106).

ثم تطرق للكلام على الحقيقة ومن يتكلم فيها ويشهدها، وبدأ بالكلام على (الحقيقة الكونية) التي يشترك فيها المؤمن والكافر البر والفاجر، واعتراف إبليس بها، مستدلا لكل ما سبق من الكتاب والسنة، وبين أن من وقف عند هذه الحقيقة وشهودها، ولم يقم بما أمر الله به من (الحقيقة الدينية)، التي هي عبادته وتأليهه وطاعة أوامره وأوامر رسوله، كان من جنس إبليس أهل النار، وإن ظن أنه من خواص أولياء الله وأهل المعرفة والتحقيق الذين يسقط عنهم الأمر والنهي الشرعيان، كان من أشر أهل الكفر والإلحاد.

ثم بين رحمه الله النوع الثاني من معنى "العبد" وهو بمعنى العابد لله، فلا يعبد سواه، ويطيع أومره وأوامر نبيه ويوالي أولياه ويعادي أعداءه، ففرق بين العبد المُعبّد والعبد العابد، وبالفرق بينهما يُعرف الفرق بين (الحقيقة الدينية والحقيقة الكونية)، وأن من اكتفى بالأخيرة كان من أتباع إبليس والكافرين برب العالمين.

وبعد هذا التحليل المقتضب لأ كثر من عشر صفحات من كتاب العبودية، بدأ ابن تيمية كلامه الذي ساقه المخالف، وأن هذا الأمر مقامه عظيم وأكثر المشايخ الذين خاضوا غلطوا فيه لاشتباه المسالك، فزلق فيه من زلق من كِبارهم، وأن الشيخ عبدالقادر لم يمسك حين ذكر القدر، وذلك لما أكرمه الله تعالى من حقيقة الولاية وذلك لمعرفته بالحقيقتين.

وهذا من الجيلاني ليس من التصوف في شيء، فقد وضح شيخ الإسلام أن هذا الموقف من الشيخ هو ما أمر الله به ورسوله وأن كثيرا من الرجال غلطوا فيه، حيث يشهدون ما قدره الله من المعاصي والذنوب والكفر على الناس، وأنه جار بمشيئة الله وقضائه وقدره وداخل في حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته، فيظنون أن الإستسلام لذلك وموافقته والرضا به دينا فضاهوا المشركين الذين قال فيهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:148)، وقوله:{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} (يّـس:47).

ثم بَيّن رحمه الله خطأ ذلك، إذ لو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به، ونصبر على موجبه في المصائب التي تصيبنا كالفقر والمرض ونحوه، واستدل بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، كما استدل بحديث محاججة آدم لموسى عليهما السلام في الصحيحين، وأن هذا ليس احتجاجا بالقدر على الذنب، بل إن آدم قد تاب من ذنبه الذي قدره الله فاجتباه ربه وهداه، لكنه لَوم لآدم لآجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة.

ثم بين أن ليس للعبد أن يذنب وإن أذنب فعليه بالإستغفار، وكذلك ذنوب العباد لا نرضى بها، بل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيله سبحانه كل بحسبه، ونظائر ذلك مما يفرق الله فيه بين أهل الحق والباطل كثيرة.

وأطال النفس رحمه الله كعادته في الإستدال من الكتاب والسنة في بيان هذه المسألة الشائكة، والرد على أهل الضلال من أهل الأديان وبعض زنادقة الصوفية كابن عربي. وفي هذا كفاية للبيب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشبهة الحادية والعشرون: قراءة القرآن للميت

قال المخالف: (إذا مات ابن آدم إنقطع عمله ...حديث صحيح و فهم الصوفية يتحد مع فهم ابن تيمية. فيُجيب:-)

ثم ساق ما نصه:

"وسئل عن قراءة أهل الميت تصل إليه والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير إذا أهداه إلى الميت يصل إليه ثوابها أم لا؟

فأجاب   يصل إلى الميت   قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه والله أعلم".[162]

رد الشبهة

هذه المسألة الفقهية كانت موجودة في تاريخ الفقه الإسلامي قبل ظهور بدعة التصوف في الأمة الإسلامية، والذين تكلموا فيها لم يذكروا أهل التصوف، وكون الصوفية عملوا به فلا مزية لهم ولا يعني موافقة ابن تيمية لهم، فهذا ومثله مما سبق من أغلوطات المخالف.

قال ابن تيمية: "ثواب العبادات البدنية من الصلاة والقراءة وغيرهما   يصل إلى الميت   كما يصل إليه ثواب العبادات المالية بالاجماع وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما وقول طائفة من أصحاب الشافعي ومالك وهو الصواب لأدلة كثيرة".[163]

فلم يذكر التصوف وأهله دليل على عدم الإعتداد والإعتناء بهم في الفقه الإسلامي.

الشبه الثانية والعشرون: الورد القيومي

قال المخالف: (هَلْ إِبْتَدَعَ اِبْن تَيْمِيَة في السُنَّة النَبَويِّة مَا لَيْسَ مِنْهَا ؟ هل تُوفي رسول الله قبل أن يُكمل الرسالة ؟ هل ابن تيمية أعلم بأمر الأمة من رسول الله ؟ يقيناً الإجابة في الكل بلا. إذاً لابد من تفسير بعض أوراد وأعمال ابن تيمية في يومه وليلته و ماهو المخرج لها: الورد القيومي لابن تيمية) :

ثم ذكر من كلام ابن القيم ما نصه:

"وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : من واظب على يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر أربعين مرة أحيى الله بها قلبه".[164]

رد الشبهة

صح عن النبي r أن ذكر (يا حي يا قيوم)، هو الإسم الأعظم[165]، ولذا تجد هذه العبارة من الذكر متضمنة الكثير من الأدعية النبوية، ولأجله حرص النبي r على قوله إذا حزبه أمر أو كربه كما صح عنه[166]، وكان دعاؤه r إذا اجنهد فيه[167]، وهو من الأدعية الصباحية والمسائية التي أوصى r ابنته فاطمة رضي الله عنها بها[168]. كما صح عنه r أن الدعاء بين الآذان والإقامة لايرد.[169]

من ذلك تبين لنا أن ابن تيمية لم يبتدع وردا قيوميا خاصا به كما زعم المخالف، ولم يلقنه لمريد كما يفعل أصحاب الطرق الصوفية، وإنما هو متبع للسنة لكنه جانب الصواب في التحديد بالأربعين، وهو فيه مقلد للشيخ (أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر الجماعيلى المقدسي الدمشقي الصالحي الزاهد العابد) المتوفي سنة 607 هـ، حيث ذكر عنه ابن مفلح أنه كان يقول بين سنة الفجر والفرض أربعين مرة: (يا حي يا قيوم لا إله إلا إنت).[170]  

فهذا ما أردنا تبينه من أمور ساقها المخالف، ظنا منه – وبعض الظن إثم – أن شيخ الإسلام تأثر بالتصوف وأنه متذوق له بقصد إحراج الإخوة المنتمين لمنهج السلف في بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية، وإنما الأعمال بالنيات والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

 


هدية

كتب الشاعر عبد الملك بن إدريس المعروف بالخريري لابنه قصيدة كتب من محبسه جاء فيها[171]:    

واعلم بأن العلم أرفع رتبة وأجل مُكْتَسبٍ وأسنى مَفْخرِ

وبِضُمر الأقلام يبلغ أهلها ما ليس يُبلغ بالجياد الضُّمرِ

والعلم ليس بنافع أربابه ما لم يفد عملا وحسن تَبصّرِ

فإذا دفعت إلى قرين فَابْلِه قبل التقارُضِ والتشارك واخْبُرِ

لا يستفزك منظر حسن بَدا حتى تقابله بحسن المخبر

كم من أخ يلقاك منه ظاهر بَادٍ سلامته وباطنه وَري

واشرح لكل مُلمة صدرا وخُذ بالحزم في كل الأمور وشَمّرِ

واستنصح البر التقي وشاور الفطن الذكي تكن رَبِيح المَتجر

وأخزن لسانك واحترس من نطقه وأحذر بوادر غيه ثم احذر

واصفح عن العوراء إن قيلت وعد بالحِلم منك على السفيه المعور

وكِلِ المُسيءَ إلى إساءته ولا تعقب الباغي ببغي تنصر

فكفاك من شر سماعك خُبْره وكفاك من خَبَرٍ قَبُول المُخْبِر

وإذا سُئلت فَجُد وإن قَلّ الجَدى جُهد المُقِّل إزاء جهد المكثر

واشكر لمن أَولاك بِرا إنه حق عليك ولا تكن بالممتري

ليس الحريص بزائد في حرصه بأتم حيلته هَشِيمة إِذخر

أو ما رأيت غبي قوم موسرا ولبيبهم يشقى بحال المعسر

قد أَوْعَب التكّوين كل مكون مُذ أَحكم التقدير كل مقدر

فلو ابتغيت بكل جهد نيل ما سبق القضاء بمنعه لم تقدر

 


فهرس الموضوعات

مقدمة                                                                                    2

الشبهة الأولى: الأولياء يدبرون العالم ويتصرفون فيه                                  4

الشبهة الثانية: البدعة الحسنة                                                          9

الشبه الثالثة: مقام الصديقية الخاص بالصوفية                                        12

الشبهة الرابعة: تصريف الولي للكون                                                  15

الشبهة الخامسة: بيئة صوفية                                                           19

الشبهة السادسة: المولد النبوي والإحتفال                                            22

الشبهة السابعة: السكر الصوفي                                                       32

الشبهة الثامنة: مصطلحات صوفية                                                    34

الشبهة التاسعة: عشق التلميذ للشيخ                                                 36

الشبهة العاشرة: الفناء                                                                  37

الشبهة الحادية عشر: علم الغيب                                                      40

الشبهة الثانية عشر: خروج من القبر                                                  43

الشبهة الثالثة عشر: نقد الألباني للشيخ                                              47

الشبهة الرابعة عشر: النصيحة الذهبية                                       49

الشبهة الخامسة عشر: تلقين الميت                                                    64

الشبهة السادسة عشر: طلاسم ذوقية                                                 67

الشبهة السابعة عشر: تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية                       69

الشبهة الثامنة عشر: لولاك ما خلقت الأفلاك                                        77

الشبهة التاسعة عشر: مكاشفات وكرامات                                            80

الشبهة العشرون: منازعة القدر                                                        82

الشبهة الحادية والعشرون: قراءة القرآن للميت                             86

الشبه الثانية والعشرون: الورد القيومي                                       87

قصيدة شعرية هدية                                                                     89



[1]) موقع الساحة وموقع الفرزدقي، والأخير صوفي قُح.

[2]) مجموع الفتاوى (4/379)  

[3]) أخرجه البخاري في (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.

[4]) أخرجه البخاري (الجهاد والسير ح 2896) من حديث سعد بن أبي وقاص

[5]) أخرجه البخاري في (الصلح ح 2703).

[6]) أخرجه مسلم في (البر والصلة ح 2622).  

[7]) أخرجه الترمذي في (البر والصلة ح 2032).

[8]) مجموع الفتاوى (4/363).

[9]) المصدر السابق (4/353).

[10]) منهاج السنة (6/291).

[11]) المصدر السابق (6/291).

[12]) مجموع الفتاوى (1/162).

[13]) المصدر السابق (27/152).

[14]) المصدر السابق (11/17).

[15]) المصدر السابق (10/549).

[16]) المقدمة (ص 474).

[17]) (ص 112).

[18]) مجموع الفتاوى (10/453).

[19]) الجواب الصحيح (2/318).

[20]) (2/164).  

[21]) مجموع الفتاوى (24/323).

[22]) أخرجه الترمذي (الدعوات ح 3375)، وابن ماجة (الأدب 3793). وصححه الألباني.  

[23]) مسلم (الذكر ح 2676).

[24]) المسند (2/323).

[25]) المسند (3/71).  

[26]) (1/120).

[27]) (ص 267).  

[28]) (ص 266).  

[29]) (ص 267).

[30]) المصد السابق (ص 267).

[31]) المصد السابق (ص 260).

[32]) الروح (ص 143).

[33]) مجموع الفتاوى(20/207).  

[34]) الخطط المقريزية (2/436).

[35]) المصدر السابق (2/440).

[36]) المصدر السابق (2/329).

[37]) المصدر السابق (2/26 - 441).

[38]) اقتضاء السراط المستقيم (ص 227).

[39]) انظر كتاب الإحتفال بالمولد النبوي (ص 45).

[40]) حلية الأولياء (1/305).

[41]) نشرت ذلك جريدة الأهرام المصرية (عدد الجمعة 11 يونيو 1999 – صفحة 9 قسم الإجتماعيات).  

[42]) انظر موالد مصر المحروسة (ص 49).

[43]) انظر رسائل المجلس الأعلى للطرق الصوفية (ص 37).

[44]) المصدر السابق (3/339 - 343).

[45]) الإنسان الكامل (2/46).

[46]) جواهر البحار (3/272 نقلا عن كتابه المواقف).

[47]) المصدر السابق (3/337 – 339).

[48]) المصدر السابق (4/116).

[49]) انظر معجم اصطلاحات الصوفية (ص 102)، المعجم الصوفي للحفني (ص 226).

[50]) جواهر البحار (3/369).

[51]) المصدر السابق (3/341).

[52]) انظر كتابه حجة الله على العالمين (ص 54).

[53]) المصدر السابق (ص 53).

[54]) جواهر البحار (3/310).

[55]) مجموع الفتاوى (10/339).

[56]) مجموع الفتاوى (10/338).

[57]) مجموع الفتاوى (10/340).

[58]) مجموع الفتاوى (10/341).

[59]) مجموع الفتاوى (10/153).

[60]) مجموع الفتاوى (16/272).

[61]) درء التعارض (8/66).

[62]) مجموع الفتاوى (10/130).

 

[63]) مجموع الفتاوى (11/394).

[64]) أخرجه الطيالسي في مسنده (ص 101)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/80) كلاهما من طريق: (ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب). حسنه الألباني في صحيح الجامع (2009).

[65]) متفق عليه من حديث أنس t.

[66]) مجموع الفتاوى (2/369).

[67]) مجموع الفتاوى (2/314).

[68]) مجموع الفتاوى (2/370).

[69]) مجموع الفتاوى (2/313).

[70]) مدارج السالكين (2/489).

[71]) أخرجه الترمذي (التفسير ح 3127) من حديث أبي سعيد الخدري. قال التترمذي: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه".

[72]) أخرجه البخاري (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.

[73]) أبجد العلوم (2/396).

[74]) توحيد الألوهية (4/9).

[75]) تاريخ بغداد (14/248).

[76]) مجموع الفتاوى (5/525).

[77]) البخاري (الجنائز ح 1328)، ومسلم (الجنة ح 2870).

[78]) البخاري (الجنائز ح 1369).

[79]) التفاج: المبالغة في تفريج ما بين الرجلين،  وهو من الفج الطريق. انظر النهاية في غريب الحديث (3/412).

[80]) من عاش بعد الموت (ص 32) حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي قال حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد الرقي عن كلثوم بن جوشن القشيري عن يحيى المدني به..).

[81]) أخرجه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (6/1141 رقم 2149، ) أنا محمد بن عبدالله القاسم قال نا إبراهيم بن عبدالرزاق بن الحسن قال نا محمد بن إبراهيم بن الصوري قال نا الفريابي قال نا السري ابن يحيى.

[82]) التمهيد (20/10).

[83]) ميزان الإعتدال (2/331) ، لسان الميزان (3/204).

[84]) الجواب الصحيح (2/326).

[85]) الجواب الصحيح (3/348).

[86]) كشف الأستار (ص 28).

[87]) المجروحين (2/15).

 

[88]) الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام (ص 146).

[89]) الدرر الكامنة (1/176).

[90]) السير (15/88).

[91]) الدرر الكامنة (1/151).

[92]) المعجم المختص (ص 25).

[93]) الدرر الكامنة (1/168).

[94]) المعجم المختص (ص 25).

[95]) أخرجه الطيالسي (ح 1494 ص 209)، وعبدالرزاق في مصنفه(3/385 ح 6042)، و ابن أبي شيبة في مصنفه (3/46 ح 11989) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[96]) أخرجه البخاري (الجنائز ح 1393) وغيره من حديثها أيضا.

[97]) السير (18/59).

[98]) السير (10/518 ).

[99]) معجم الشيوخ (1/56).

[100]) المعجم المختص (ص 25).

[101]) الدرر الكامنة (1/177).

[102]) الدرر الكامنة (1/175).

[103]) المعجم المختص (ص 25 ترجمة 22).

[104]) السير (22/178).

[105]) ميزان الاعتدال (4/518).

[106]) السير (22/368).

[107]) السير (17/252).

[108]) السير (10/604).

[109]) السير (19/327).

[110]) السير (19ص334).

[111]) الدرر الكامنة (1/176).

[112]) الدرر الكامنة (1/186).

[113]) طبقات الشافعية الكبرى (10/400).

[114]) الدرر الكامنة (1/186).

[115]) زغل العلم (ص 39).

[116]) مجموع الفتاوى (1/257).

[117]) مجموع الفتاوى (18/49).

[118]) منهاج السنة النبوية (7/422).

[119]) مجموع الفتاوى (1/256).

[120]) مجموع الفتاوى (18/19).

[121]) مجموع الفتاوى (1/256).

 

[122]) زغل العلم (ص 43).

[123]) اقتضاء الصراط (ص 326).

[124]) الصحيح (الجنائز ح 916).

[125]) مجموع الفتاوى (24/296).

[126]) سبل السلام (2/113).

[127]) مدارج السالكين (1/524).

[128]) كشف الظنون (2/1114).

[129]) انظر مجموع الفتاوى (19/13)، والجواب الصحيح (6/14)، وآكام المرجان (ص 150).

[130]) أبجد العلوم (2/325).

[131]) أبجد العلوم (2/327).

 

[132]) البداية والنهاية (10/331).

 

[133])  البداية والنهاية (14/135).  

[134]) المصدر السابق (14/136).  

[135]) المصدر السابق (14/139).

[136]) المصدر السابق (14/139).

 

[137]) البداية والنهاية (6/324).  

[138]) صححه الألباني في صحيح الجامع (ح 82).

[139]) لسان العرب (10/395).

[140]) تاريخ دمشق (5/312).

[141]) طبقات الشافعية الكبرى (2/35).

[142]) لسان الميزان (5/140).

[143]) لسان الميزان (5/230).

[144]) أخرجه البخاري (الجنائز ح 1242).

[145]) الحاوي للفتاوي (2/259 رسالة تنوير الحلك).

[146]) انظر مجموع الفتاوى (24/324)، اقتضاء الصراط (ص 378).

[147]) (2/281).

[148]) ميزان الاعتدال (2/327).

[149]) المغني في الضعفاء (1/292).

[150]) لسان الميزان (3/145).

[151]) البداية والنهاية (10/274).

[152]) المصدر السابق (12/307).

[153]) مجموع الفتاوى (11/97).

[154]) مجموع الفتاوى (11/96 ).

[155]) مجموع الفتاوى (11/98).

[156]) التصوف الإسلامي (1/274).

[157]) المصدر السابق (1/279).

[158]) مدارج السالكين (1/ 3).

[159]) مدارج السالكين (2/489 ).

[160]) المصدر السابق.

[161]) مجموع الفتاوى (10/158).

[162]) مجموع الفتاوى (24/324).

[163]) اقتضاء الصراط (ص 378).

[164]) مدارج السالكين ( 3/264).

[165]) أخرجه أبو داود (الصلاة ح 1495)، والنسائي (السهو ح 1300).

[166]) أخرجه الترمذي (الدعوات ح 3524).

[167]) أخرجه الترمذي (الدعاء ح 3436) بسند فيه ضعف.

[168]) أخرجه النسائي في الكبرى (6/147 ح 10405)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/449).

[169]) أخرجه الترمذي (الصلاة ح 212)، وأبو داود (الصلاة ح 521). وصححه الألباني.

[170]) المقصد الارشد في ذكر اصحاب الإمام أحمد ج2/ص348

[171]) يتيمة الدهر (2/117).