الأحد، 14 فبراير 2021

 

هل حرَّم أحد من العلماء السفر لزيارة القبور قبل ابن تيمية؟


فالجواب: نعم، فشيخ الإسلام ابن تيمية توفي سنة 728هـ، وقد حرَّم السفر لزيارة القبور:


من المالكية: الإمام مالك (ت:179هـ ) والقاضي عياض (ت:544هـ)
ومن الشافعية: أبو محمد الجويني (438هـ)، وابن الأثير صاحب جامع الأصول (ت:606هـ)
ومن الحنابلة: ابن بطة العكبري (ت:387هـ) وابن عقيل (ت:513هـ) وغيرهم.


قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) ( 1/304) : (وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي، فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته وان أراد المسجد فليأته ثم ذكر الحديث: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) ذكره القاضي إسماعيل في مبسوطه) اهـ


وقال المناوي في شرحه للجامع الصغير (6/140): (... ما نقل عن مالك من منع شد الرحل لمجرد زيارة القبر من غير إرادة إتيان المسجد للصلاة فيه)


وقال ابن بطة في (الإبانة الصغرى) ( ص 92) : (ومن البدع البناء على القبور وتجصيصها وشد الرحل إلى زيارتها ) اهـ


وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/106): ( واختلف العلماء في شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره) اهـ

وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (3/65) عند شرحه لحديث: ((لا تشد الرحال)): (قال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة) اهـ


وقال ابن قدامة في (المغني) ( 2/100): (فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد، فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) متفق عليه) اهـ


وقال ابن الأثير في (جامع الأصول) (9/283) في شرح حديث ((لا تشد الرحال)) : ( هذا مثل قوله (لا تعمل المطي) وكنى به عن السير والنفر، والمراد: لا يقصد موضع من المواضع بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى إلا إلى هذه الأماكن الثلاثة تعظيماً لشأنها وتشريفاً) أ.هـ


وقال علامة حضرموت ومفتيها السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف (ت:1300هـ) كما في كتابه (إدام القوت) (ص584): (نص إمام الحرمين – ومثله القاضي حسين – على تحريم السفر لزيارة القبور، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياش في (إكماله) وهو من أفضل متأخري المالكية. وقام وقعد في ذلك الشيخ الإمام ابن تيمية، وخَطَّأهُ قومٌ وصَوَّبَهُ آخرون، ومهما يكن من الأمر فَلْيَسَعَهُ ما وسع الجويني والقاضيين حسين وعياضاً، ولكنهم أفردوه باللوم! والقولُ واحدٌ. وقال مالك بن أنس: من نَذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلي فيه كرهتُ ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد). وقال ابن سريج – من كبار أصحاب الشافعي – إن الزيارة قربة تلزم بالنذر. والخطب يسير لم يُوَسِّعْهُ إلا الحسد والتعصب، وإلا فالتثريب في موضع الاختلاف ممنوع))


أما النووي وابن حجر وابن قدامة وغيرهم فقد قالوا بالجواز وقد تقدم أن كثيراً من المتأخرين قالوا بذلك لكن المقصود هنا هو الإجابة على سؤالك: هل قال بالتحريم أحدٌ قبل ابن تيمية؟ وقد علمتَ الجواب.

أمَّا سؤالك: هل قلَّده أحدٌ من غير علماء نجد؟

فأظن بعد ما علمتَ أنه ليس أول من قال بتحريم السفر لزيارة القبور ظهر لك أن المسألة ليس فيها تقليدٌ لابن تيمية بل فيها اتباعٌ لدليلٍ بفهم عدد من العلماء قبل ابن تيمية، ولكن لشهرته ومكانته وكذلك لتشنيع خصومه عليه وادعائهم أنه أول من قال بذلك اشتُهرت هذه المسألة عنه.
ومع ذلك فالجواب: نعم
هناك من قال بقوله من غير علماء نجد وهم كُثُر، منهم:
علامة اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت:1182هـ) قال في (سبل السلام) (3/ 394): (والحديث دليلٌ على فضيلة المساجد هذه ودلَّ بمفهوم الحصر أنه يحرم شد الرحال لقصد غير الثلاثة كزيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً لقصد التقرب ولقصد المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها) اهـ
وعلامة الهند السيد صديق حسن خان الحسيني (ت:1307هـ) قال في شرحه لصحيح مسلم (5/113): (وأما السفر لغير زيارة القبور كما تقدم نظائره، فقد ثبت بأدلة صحيحة ووقع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم وقرره النبي عليه السلام فلا سبيل إلى المنع منه والنهي عنه، بخلاف السفر إلى زيارة القبور فإنه لم يقع في زمنه، ولم يقر أحداً من أصحابه، ولم يشر في حديث واحد إلى فعله واختياره، ولم يشرِّعه لأحدٍ من أمته لا قـــولاً ولا فعــلاً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور أهل البقيع وغيرهم من غير سفر ورحلة إلى قبورهم، فسنته التي لا غبار عليها ولا شنار فيها: هي زيارة القبور من دون اختيار سفر لها، لتذكر الآخرة) أ.هـ

وعلامة العراق السيد نعمان بن محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (ت:1317هـ) قال في (جلاء العينين) (ص518) بعد أن انتصر لرأي ابن تيمية: (ونهاية الكلام في هذا المقام: أن شيخ الإسلام لم ينفرد بهذا القول الذى شُنِّع به عليه، بل ذهب إليه غيره من الأئمة الأعلام).