السبت، 22 ديسمبر 2012

حكم التلفظ بالنية عند شيخ الإسلام ابن تيمية ( ابن تيمية لا يكفر من تلفظ بالنية )


حكم التلفظ بالنية عند شيخ الإسلام ابن تيمية
( ابن تيمية لا يكفر من تلفظ بالنية )


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
قبل الخوض في مسألة حكم الجهر بالنية يجب التنبيه هنا لأمر مهم :

***
وهو أن الكلام في هذه الورقات عن التلفظ بالنية والجهر بها عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كقول القائل مثلا : ( اللهم إني نويت أن أصلي الصبح ركعتين لوجه الله ) و ليس كما فهمه بعض من لا يفقه الكلام أن ابن تيمية ينكر النية أصلا فهذا مردود قد رده ابن تيمية نفسه وإليك كلامه في أن النية أصل في العبادة :
قال رحمه الله ( وبالجملة فلابد من النية في القلب بلا نزاع وأما التلفظ بها سرا فهل يكره أو يستحب فيه نزاع بين المتأخرين ) ( الفتاوى ج 22 / ص 235 ( .

وقال رحمه الله ( الصلاة لا تجوز إلا بنية لكن محل النية القلب باتفاق المسلمين وهى القصد والإرادة فإن نوى بقلبه خلاف ما نطق بلسانه كان الاعتبار بما قصد بقلبه ) ( الفتاوى ج 22 ص 242 )
.
قال رحمه الله ( نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم والصلاة والصيام والحج والزكاة والكفارات وغير ذلك من العبادات لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام بل النية محلها القلب دون اللسان ) ( الفتاوى الكبرى ج 1 ص 495 ) .

وأما حكمه رحمه الله تعالى على التلفظ بها قبل الصلاة فهو متبع للعلماء في ذلك بأن التلفظ بها من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله :

قال رحمه الله : ( وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد لا يستحب ذلك بل التلفظ بها بدعة فإنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لم ينقل عن واحد منهم أنه تكلم بلفظ النية لا في صلاة ولا طهارة ولا صيام قالوا لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان ) ( الفتاوى ج 18 ص 263 ) .

وقال رحمه الله : ( وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفى الطهارة وسائر العبادات فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله فهي بدعة بل كان صلى الله عليه وسلم يداوم في العبادات على تركها ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة ) ( الفتاوى ج / 22 ص 219 – 227 في هذه الصفحات له كلام مطول في المسألة ).
وقال رحمه الله : ( والمنصوص عنه ( يقصد الإمام أحمد ) أنه لا يستحب التلفظ بالنية قال أبو داود قلت لأحمد يقول المصلى قبل التكبير شيئا قال لا ) ( الفتاوى ج / 22 ص 228 ) .

وقال رحمه الله : ( وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله ولا عن أصحابه ولا أمر النبي أحدا من أمته أن يتلفظ بالنية ولا علم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان هذا مشهورا مشروعا لم يهمله النبي وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة وهذا القول أصح الأقوال بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين ) وقال رحمه الله بعدها بأسطر ( مثل القائل الذي يقول نويت أصلى فريضة هذه الصلاة المفروضة على حاضر الوقت أربع ركعات في جماعة أداء الله تعالى فهذا كله حمق وجهل ) وقال بعدها بأسطر : ( وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاد ذلك فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديبا يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وإيذاء الناس برفع صوته ) ( الفتاوى ج / 22 ص / 230 )

وقال رحمه الله : ( الحمد لله الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة ليس من البدع الحسنة وهذا متفق عليه بين المسلمين لم يقل أحد منهم أن الجهر بالنية مستحب ولا هو بدعة حسنة فمن قال ذلك فقد خالف سنة رسول الله وإجماع الأئمة الأربعة وغيرهم ) ( الفتاوى ج 22 / ص 233 ) .

**
تنبيه : قوله ( من البدع السيئة ) لا يفهم منه تقسيم البدع لسيئة وحسنة فهو رحمه الله تعالى ممن لا يرى هذا التقسيم وأقواله مشهورة في ذلك بل قال ذلك لأن السؤال الذي أجاب عليه فيه قول السائل ( وسئل رحمه الله : عن رجل قيل له لا يجوز الجهر بالنية في الصلاة ولا أمر به النبي فقال صحيح أنه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به لكن ما نهى عنه ولا تبطل صلاة من جهر بها ثم أنه قال لنا بدعة حسنة وبدعة سيئة ) فكان الكلام ردا على من قال أنها بدعة حسنة .

وقال رحمه الله : (الحمد لله : الجهر بلفظ النية ليس مشروعا عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ) ( الفتاوى ج 22 / ص 235 ) .

وقال رحمه الله : ( ولكن بعض المتأخرين من أتباع الأئمة زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ) . ( الفتاوى الكبرى ج 1 ص 3 ) وقال رحمه الله بعدها بسأطر : ( وأما الجهر بها فهو مكروه منهي عنه غير مشروع باتفاق المسلمين وكذلك تكريرها أشد واشد وسواء في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد فكل هؤلاء لا يشرع لأحد منهم أن يجهر بلفظ النية ولا يكررها باتفاق المسلمين ) .

وقال رحمه الله تعالى : ( واتفقوا على أنه لا يستحب الجهر بالنية ولا تكرير التكلم بها بل ذلك منهي عنه باتفاق الأئمة ولو لم يتكلم بالنية لصحت صلاته عند الأئمة الأربعة وغيرهم ولم يخالف إلا بعض شذوذ المتأخرين ) ( الفتاوى ج 22 / ص 242 ) .

وقال رحمه الله : ( فإن الجهر بالنية لا يجب ولا يستحب لا في مذهب أبى حنيفة ولا أحد من أئمة المسلمين بل كلهم متفقون على أنه لا يشرع الجهر بالنية ومن جهر بالنية فهو مخطئ مخالف للسنة باتفاق أئمة الدين ) ( الفتاوى الكبرى ج 2 ص 447 ) .

وقال رحمه الله : ( وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاده فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديبا يمنعه عن التعبد بالبدع وإيذاء الناس برفع صوته والله أعلم ) ( الفتاوى الكبرى ج 1 ص 495 ) .

وقال رحمه الله : ( وقال طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم بل لا يستحب التلفظ بالنية لا سرا ولا جهرا كما لا يجب باتفاق الأئمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يتلفظون بالنية لا سرا ولا جهرا وهذا القول هو الصواب الذي جاءت به السنة ) ( الفتاوى الكبرى ج / 2 ص / 447 ) .


فعبارات الشيخ رحمه الله تعالى تبين حكمه على هذه المسألة بألفاظ لا تخرج عن كلام العلماء مثل :
( ليس بمشروع - لا يستحب – مكروه – من البدع - خطأ صريح ) وما يقاربها من ألفاظ شرعية .

وبعد بيان حكم الشيخ رحمه الله على التــلفظ باـلنية يجب التـنبيه على مــسائل وهي اللتي استغلها أهل البدع في تدليسهم وكذبهم على شيخ الإسلام رحمه الله وهي كـما يلي:

المسألة الأولى :

( رأي بن تيمية فيمن اعتقد أن هذا هو الشرع جهلا منه )

للشيخ رأي في الجاهل الذي اعتقد أن هذا هو الشرع فإنه يبين له لأنه جاهل وهو يستحق التعزير لكنه لا يعزر ابتداء بل بين له فإن أصر على التعصب للبدعة فإنه يعزر بما يناسب ذلك لأنه يؤذي المسلمين :

قال ابن تيمية رحمه الله : ( والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة إذا فعل ذلك معتقدا أنه من الشرع فهو جاهل ضال يستحق التعزير وإلا العقوبة على ذلك إذا أصر على ذلك بعد تعريفه والبيان له لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته أو كرر ذلك مرة بعد مرة فإنه يستحق التعزير البلـيغ ) ( الفتاوى ج 22 ص 219 – 227 ) .

ولما سئل رحمه الله عن حكم التلفظ أجاب رحمه الله :
( الحمد لله الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة ليس من البدع الحسنة وهذا متفق عليه بين المسلمين لم يقل أحد منهم أن الجهر بالنية مستحب ولا هو بدعة حسنة فمن قال ذلك فقد خالف سنة رسول الله وإجماع الأئمة الأربعة وغيرهم وقائل هذا يستتاب فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه ) ( الفتاوى ج / 22 ص 219 – 227 ) .

وقوله يستتاب هو طلب التوبة من هذه البدعة ولم يقصد الكفر بالدليل أنه قال بعدها (فإن تاب وإلا عوقب بما يستحقه ) فلو كان قاصدا الكفر لقال ( يستتاب وإلا قتل ) . ومثلها قال : ( ومن أصر على فعل شيء من البدع وتحسينها فإنه ينبغي أن يعزر تعزيرا يردعه وأمثاله عن مثل ذلك ومن نسب إلى رسول الله الباطل خطأ فإنه يعرف فإن لم ينته عوقب ولا يحل لأحد أن يتكلم في الدين بلا علم ولا يعين من تكلم في الدين بلا علم أو أدخل في الدين ما ليس منه ) ( الفتاوى ج 22 / ص 235 ) وما بعدها.

فالكلام هنا كما قال رحمه الله ( ومن نسب إلى رسول الله الباطل خطأ ) وقال ( إذا فعل ذلك معتقدا أنه من الشرع فهو جاهل ) فهو لم يكفره أبدا بل طلب أن يبين له لأنه لا يعرف الحكم الشرعي ثم يعزر إذا أصر على بدعته وآذى المسلمين برفع صوته ومما يؤكد أنه لم يحكم عليه بالتكفير قوله بعدها ( وإنما تنازع الناس في نفس التلفظ بها سرا هل يستحب أم لا على قولين والصواب أنه لا يستحب التلفظ ) . فالخلاف قائم بين بعض المتأخرين من أهل العلم في هذه المسالة لو يقل أحد منهم بالتكفير أبدا بل من قال بعدم جواز التلفظ قال كما قال بن تيمية نفسه ( والصواب انه لا يستحب ) والعبارات الشرعية السابقة مثل ( ليس بمشروع - مكروه – من البدع - خطأ صريح ) .
المسألة الثانية :

( رأي ابن تيمية رحمه الله فيمن افترى على دين الله ونسب له ما ليس منه )

بعد بيان حكم ابن تيمية رحمه الله تعالى فيمن ظن أنه هذا هو الشرع فيبين له وإن لم يرجع للحق يعزر ذكر رحمه الله مسألة أخرى وهي فيمن افترى على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم الكذب وقال هذا هو دين الله تعالى فهذا الكلام غير متعلق بالتلفظ بالنية فقط بل بكل الأحكام الشرعية لكن بن تيمية رحمه الله ذكر ذلك في معرض الكلام عن التلفظ فاستغله أهل البدع لكي ينسبوا لشيخ الإسلام التكفير في مثل هذه المسائل وهو بريء منه وإليك نص كلامه :


قال رحمه الله : ( ومن نسب إلى رسول الله الباطل خطأ فإنه يعرف فإن لم ينته عوقب ولا يحل لأحد أن يتكلم في الدين بلا علم ولا يعين من تكلم في الدين بلا علم أو أدخل في الدين ما ليس منه وأما قول القائل كل يعمل في دينه الذي يشتهى فهي كلمة عظيمة يجب أن يستتاب منها وإلا عوقب بل الإصرار على مثل هذه الكلمة يوجب القتل فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما يشتهيه ويهواه ) ( الفتاوى ج 22 / ص 235 ) وما بعدها .


فالكلام هنا ليس له علاقة بالتلفظ بالنية إطلاقا بل هو فيمن يشرع لنفسه الدين كما يشاء كما قال ( وأما قول القائل كل يعمل في دينه الذي يشتهى فهي كلمة عظيمة ) فالشيخ لم يكفره ابتداء بل طلب منه التوبة والاستتابة بقوله (فهى كلمة عظيمة يجب أن يستتاب منها وإلا عوقب ) فإن لم يردعه التعزير بين رحمه الله الحكم في مثل هذا فقال بعدها ( بل الإصرار على مثل هذه الكلمة يوجب القتل ) فحكمه الأول طلب التوبة وإلا عوقب لكنه إن أصر عليها فإنه يقتل لأنه يعبد هواه ويشرع لنفسه دينا لذلك قال رحمه الله بعدها مباشرة بلا فص :

( قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّه ِ) القصص50 وقال تعالى ( وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْم ) الأنعام 119 ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّه ) ص26 وقال (وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) المائدة77 وقال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) الفرقان 43- 44 وقال تعالى ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء65 وقد روى عنه أنه قال ( والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً) النساء 60 – 61 وقال تعالى ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ) الشورى21 وقال تعالى ( المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )الأعراف 1-3 وقال تعالى ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ ) المؤمنون71 وأمثال هذا فى القرآن كثير فتبين أن على العبد أن يتبع الحق الذى بعث الله به رسوله ولا يجعل دينه تبعا لهواه والله أعلم .أهـ .

فالكلام كله فيمن يشرع لنفسه دينا فهذا لا شك ولا ريب أنه يستتاب إجماعا ولا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين فأي عيب على شيخ الإسلام إن حكم على مثل هذا بطلب الاستتابة من الكفر؟؟ لذلك ذكر رحمه الله تعالى الآيات التي ذكرها الله فيمن يشرعون لهم دينا من أهوائهم و لاحظ أخي الحبيب أن الشيخ رحمه الله لم يحكم على من اجتهد وأخطأ في هذه المسألة وأفرغ وسعه في الاجتهاد وفهم من كلام العلماء خلاف مقصودهم كما ذكر الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي حينما وغيرهم حيث قال رحمه الله ( والمقصود هنا أن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة ولكن بعض المتأخرين خرج وجها في مذهب الشافعي بوجوب ذلك وغلطه جماهير أصحاب الشافعي وكان غلطه أن الشافعي قال لا بد من النطق في أولها فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم وقالوا إنما أراد النطق بالتكبير لا بالنية ولكن التلفظ بها هل هو مستحب أم لا هذا فيه قولان معروفان للفقهاء منهم من استحب التلفظ بها كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبى حنيفة والشافعي وأحمد وقالوا التلفظ بها أوكد واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج وغير ذلك ومنهم من لم يستحب التلفظ بها كما قال ذلك من قاله من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما وهذا هو المنصوص عن مالك وأحمد سئل تقول قبل التكبير شيئا قال لا وهذا هو الصواب ) ( الفتاوى ج / 22 ص 219 – 227 )

وفرق بين كلامه هنا وكلامه فيمن شرع لنفسه دينا فتأمله .

وله كلام آخر رحمه الله في سياق كلامه عن التلفظ بالنية والجهر بها فيمن ظن أن له الحق في أن يسن سنن من عند نفسه دون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ( وقد ثــبت في الصحيحين أنه قال من رغب عن سنتي فليس منى فأي من ظن أن سنة أفضل من سنتي فرغب عما سنيته معتقدا أنما رغب فيه أفضل مما رغب عنه فليس منى لأن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد
صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح عن النبي أنه كان يخطب بذلك يوم الجمعة فمن قال أن هدى غير محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم أفضل من هدى محمد فهو مفتون بل ضال قال الله تعالى إجلالا له وتثبيتا لحجته على الناس كافة ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور63 أي وجيع وهو صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين باتباعه وأن يعتقدوا وجوب ما أوجبه واستحباب ما أحبه وأنه لا أفضل من ذلك فمن لم يعتقده هذا فقد عصى أمره )


وقال بعدها بأسطر ( والوجه الثاني من حيث المداومة على خلاف ما دوام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادات فإن هذا بدعة باتفاق الأئمة وإن ظن الظان أن في زيادته خيرا كما أحدثه بعض المتقدمين من الأذان والإقامة فى العيدين فنهوا عن ذلك وكرهه أئمة المسلمين )
وقال بعدها بأسطر (وفى الجملة فإن النبي قد أكمل الله له ولأمته الدين وأتم به صلى الله عليه وسلم عليهم النعمة فمن جعل عملا واجبا ما لم يوجبه الله ورسوله أو لم يكرهه الله ورسوله فهو غالط فجماع أئمة الدين أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ومن خرج عن هذا وهذا فقد دخل في حرب من الله فمن شرع من الدين ما لم يأذن به الله وحرم ما لم يحرم الله ورسوله فهو من دين أهل الجاهلية المخالفين لرسوله الذين ذمهم الله في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما من السور حيث شرعوا من الدين ما لم يأذن به فحرموا ما لم يحرمه الله وأحلوا ما حرمه الله فذمهم الله وعابهم على ذلك فلهذا كان دين المؤمنين بالله ورسوله أن الأحكام الخمسة الإيجاب والاستحباب والتحليل والكراهية والتحريم لا يؤخذ إلا عن رسول الله فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله فمن ذلك ما اتفق عليه أئمة الدين ومنه ما تنازعوا فيه فردوه إلى الله ورسوله كما قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء59 فمن تكلم بجهل وبما يخالف الأئمة فإنه ينهى عن ذلك ويؤدب على الإصرار كما يفعل بأمثاله من الجهال ولا يقتدي في خلاف الشريعة بأحد أئمة الضلالة وإن كان مشهورا عنه العلم كما قال بعض السلف لا تنظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك والله أعلم والحمد لله ) أهـ ( الفتاوى ج / 22 ص 219 – 227 ) .

وهذه عبارات أخرى للشيخ رحمه الله تبين أن الحكم فيمن يشرع له دينا من هواه وينسبه لله ورسوله يختلف عن الحكم فيمن كان جاهلا أو اجتهد وفرع على بعض أقوال العلماء ويتبين هذا عن جوابه رحمه الله على هذا السؤال ( الفتاوى ج 22 / ص 235 (

وسئل رحمه الله تعالى : مسألة في رجل يصلي يشوش على الصفوف التي حواليه بالجهر بالنية وأنكروا عليه مرة ولم يرجع وقال له إنسان هذا الذي تفعله ما هو من دين الله وأنت مخالف فيه السنة فقال هذا دين الله الذي بعث به رسله ويجب على كل مسلم أن يفعل هذا وكذلك تلاوة القرآن يجهر بها خلف الإمام فهل هكذا كان يفعل رسوله الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة أو أحد من الأئمة الأربعة أو من علماء المسلمين فإذا كان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء يعملون هذا في الصلاة فما يجب على من ينسب هذا إليهم وهو يعمله فهل يحل للمـسلم أن يعينه بكلمة واحدة إذا عمل هذا ونبـسه إلى أنه من الدـين [ويقــول للمنكرين عليه كل من يعــمل في دينه ما يشـتهى]وإنكاركم على جهـل وهل هم مـصيبون فـي ذلـك أم لا ؟؟

الجواب : الحمد لله الجهر بلفظ النية ليس مشروعا عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين والنية هي القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق
العقلاء فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين من الأولين والآخرين وليس في ذلك خلاف عند من يقتدى به ويفتى بقوله ولكن بعض المتأخرين من أتباع الأئمة زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون ) هذا الشاهد من الكلام والفتوى أطول من ذلك فراجع المصدر .

فالسؤال فيمن أدعى الكذب ونسبه لله كما هو نص السؤال ( فقال هذا دين الله الذي بعث به رسله ويجب على كل مسلم أن يفعل هذا ).


فتأمل في العبارة الأولى وهي قوله ( ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل ) فهذا الحكم فيمن كذب على دين الله كما مر سابقا بأن حقه الاستتابة وهي طلب التوبة فإن أصر على افتراءه على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن بين له أن هذا لم يشرعه الله ورسوله فإنه كافر لما مر من آيات الله تعالى وانه شبيه بمن قال الله فيهم ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران78 لأن هذا كذب وافتراء على شريعة الله وتقويل للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله .
وبعد بيانه رحمه الله الخلاف بين العلماء في مسألة التلفظ بين رأيه في المسألة فقال رحمه الله ( ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون ) .
هذا ما تيسر جمعه من كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة وتوسطه وعدم مخالفته لعلماء المسلمين فيها وتبرئة الشيخ من افتراء أهل البدع
على هذا الأمام الجليل بأنه يكفر المتلفظ بالنية
فرحــمه الله رحـــمة واسعــة فإن أصبت فمن الله وحده وإن اخطات فمني ومن الشيطان
والحمد لله رب العالمين

المصدر
الحوزوي