الخميس، 11 سبتمبر 2014

تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية

تبرك الشافعي بأحمد و جنازة ابن تيمية
قال المخالف: (تلاميذ تربّوا في حجر شيخ مقدّس للصوفية ... لابد أن يتشربوا بذوقياته الصوفية. 
الإمام الحافظ ابن كثير تلميذ ابن تيمية ... وسيره على طريق شيخه). 
ثم ذكر المخالف عن الحافظ ابن كثير قوله:
"روى البيهقي عن الربيع قال : بعثني الشافعي بكتاب من مصر إلى أحمد بن حنبل، فأتيته وقد انفتل من صلاة الفجر، فدفعت إليه الكتاب فقال: أقرأته فقلت: لا، فأخذه فقرأه فدمعت عيناه! فقلت: يا أبا عبدالله وما فيه؟ فقال: يذكر أنه رأى رسول الله r في المنام فقال: أكتب إلى عبد الله أحمد بن حنبل، وأقرأ عليه السلام مني، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى القول بخلق القرآن، فلا تجبهم ويرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: حلاوة البشارة فخلع قميصة الذي يلي جلده فأعطانيه، فلما رجعت إلى الشافعي أخبرته، فقال: إني لست أفجعك فيه ولكن بله بالماء وأعطينيه حتى اتبرك به.
ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة أثابهم الله الجنة قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق ."[1]
 وقال المخالف: (الثوب الذي يلي الجسد تكون له من بركة الجسد .. فانظر لهؤلاء الأئمة !!).
ثم ذكر المخالف وصف ابن كثير لجنازة ابن تيمية فقال:
"حضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه، وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن، وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا، ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن، واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله أخرج، ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع ."[2]
قال المخالف: (التبرك برُؤية الصالحين مأثور كذلك عن الصُوفية )،
واستمر في ذكر وصف جنازته فقال:
"وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسّل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما، وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما، وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير."[3]
قال المخالف: (بقية الولي الصالح مذكورة كذلك عن الصوفية .. ولعل ماذُكر في الطاقية شبيه بخرقة الصُوفية).
ثم  ذكر عن ابن كثير: "ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".[4]
قال المخالف: (الإستبشار بالمنامات والمرائي الصالحة كذلك مأثور عن الصوفية).
ونقل عنه أيضا قوله:
"وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الايام الثلاثة، وكذلك جماعة من علماء الشافعية، وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره، وعليه الجلالة والوقار حمه الله، وعملت له ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة".[5]
ثم قال المخالف: (الختمات إختصار لقراءة القُرآن عدة مرات وإهداء ثوابها للميت وهي مأثورة عن الصُوفية).
ثم نقل عن ابن كثير أمرا آخر فقال:
"وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز، وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ يا محمداه".[6] 
ثم قال المخالف: (التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية )، لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية
فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية.
انتهى كلام المخالف.
رد الشبهة
ذكر المخالف عدة أمور في التبرك، وليس كل التبرك مقبولا وليس كله مرفوضا، فما وافق الشرع قبل وحُضّ عليه وما وخالفه منع وحُذّر منه، ثم يلزمنا معرفة ما هو التبرك.
فالتبرك في رأي شعور معنوي نفسي يختلج في نفس المُتَبَرّك تجاه ما يُتبرك به سواء كان بشرا كنبي أو عالم صالح ولي، أو قرآن أو عند شرب زمزم ونحوه مما وردت نصوص الشريعة في بركته وهو كثير، ويكون شعورا ماديا ملموسا كقوله r : (اتخذوا الغنم فإنها بركة)[7]، فالبركة الملموسة هو النماء والزيادة والخير الذي يحصل من كثرة توالدها والإستفادة من نتاجها.
ولإشتقاق الكلمة معان بنحوه، ففي لسان العرب:
"البركة النماء والزيادة، والتبريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، يقال: بَرّكت عليه تبريكا أي قلت له: بارك الله عليك، وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه، وضع فيه البركة، وطعام بَريك كأنه مبارك، وقال الفراء في قوله تعالى {رحمة الله و بركاته عليكم} قال: البركات السعادة، قال أبو منصور: وكذلك قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي فقد نال السعادة المباركة الدائمة".[8]
قال مقيده عفا الله عنه: أما الأمور التي ذكرها المخالف فهي:
الأول: ذكر قصة رؤيا الشافعي لأحمد بن حنبل التي رواها البيهقي، وفيها تبرك الشافعي بغسالة ثوب أحمد الذي أعطاه للربيع.
وهذه القصة رواها ابن عساكر من طريق البيهقي فقال:
"أخبرني أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى قراءة عليه قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا القاسم بن صدقة يقول سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي يقول قال لي الربيع إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به…".[9]
ومن طريق ابن عساكر أخرجها السبكي في طبقاته الكبرى.[10]
وهي قصة معلولة لا يصح الإحتجاج بها وفيها:
    1.  أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي. شيخ البيهقي، قال الحافظ: " شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة روى عن الأصم وطبقته وعنى بالحديث ورجاله، وسئل الدارقطني قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان يضع الأحاديث للصوفية".[11]
    2.  محمد بن عبد الله بن شاذان. قال الحافظ: "محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان، أبو بكر الرازي الصوفي صاحب تلك الحكايات المنكرة، روى عنه الشيخ أبو عبد الرحمن أوابد وعجائب وهو متهم طعن فيه الحاكم".[12]
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال القصة الواهية، وهي كحال رواتها الصوفية ومدارها عليهما، ولم أقف على من فوقهما، فلا يحتج بها ولا كرامة.
الثاني: ذكر المخالف تبركات حصلت في جنازة ابن تيمية.
وأقول: أما التبرك برؤيته وتقبيله، فلا شيء فيه، إذ رؤية العالم الرباني وهو ميت تؤثر في الرائي، أما التقبيل فقد قبل أبو بكر النبي r وهو ميت.[13]
الثالث: ثم ذكر المخالف شرب جماعة فضل غسله، واقتسام بقية السدر، ودُفِع في متعلقاته نقودا كخيط الزئبق الذي كان في عنقه و الطاقية التي كانت على رأسه."
فأقول: أما هذا فأي بركة فيه، وما ذا سيحصل لمن فعله ودفع مالا لاقتناء ذلك؟ إلا أن يكون الإقتناء على وجه الذكرى، كونها لعالم مشهور وهذا هو الظاهر؟
ثم قياس المخالف الطاقية على الخرقة الصوفية لا معنى له البتة، فالطاقية تلبس عادة أما الخرقة عند الصوفي فتلبس عقيدة ودينا ومنهجا.
الرابع: ثم ذكر المخالف رؤية المنامات له، وهذا لا شيء فيه وتلك عاجل بشرى المؤمن؟ كما صح عن النبي r، ولا دخل للصوفية فيه، إذ مرائيهم تشريع لهم ولا أدل على ذلك مما ذكره السيوطي في حاويه: "أن رجلا اسمه خليفة بن موسى النهر ملكي، أنه كان كثير الرؤية لرسول الله r يقظة ومناما، فكان يقال: إن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة وإما مناما".[14]
الخامس: ذكر المخالف تردد بعض أهل العلم لزيارة قبره وتكرار ذلك، وهذا أيضا لا شيء فيه إذ هو من باب الزيارة الشرعية، وهو يختلف عن زيارة الصوفية وأصحاب الطرق لقبور ومشاهد وأضرحة أقطابهم، إذ يصحب ذلك توسلات واستغاثات وطواف ونذور؟
السادس: ثم ذكر قراءة الختمات وإهداء ثوابها للميت، وهي مسألة فقهية لا تعلق لها بالصوفية ولا بما يطمح له المخالف، وابن تيمية وغيره يرى وصول ثوابها للميت.[15]
 السابع: ثم ذكر أن شعار المسلمين يوم مقتل مسيلمة كان (يا محمداه)، على سبيل جواز الإستغاثة بالنبي r.
وهي قصة معلولة مسلسلة بالضعفاء لا يحتج بها المحققون من أهل العلم، وإنما هي من حجج الخرافيين، ومن يحتج بالنطيحة والموقوذة وما أكل السبع أمثال المخالف، أخرجها الطبري بسنده في تاريخه فقال: "كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم قد شهدها مع خالد قال….".[16]
وعلتها:
              1.       جهالة الرجل السحيمي الراوي عن خالد بن الواليد.
              2.       الضحاك بن يربوع قال الذهبي: "قال الأزدي: حديثه ليس بالقائم".[17]
    3.  سيف بن عمر التميمي الأسدي قال الذهبي: "له تواليف متروك باتفاق، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة. قلت: أدرك التابعين وقد اتهم، قال ابن حبان: يروي الموضوعات".[18]
    4.  شعيب هو ابن إبراهيم الكوفى قال ابن حجر: "راوية كتب سيف عنه فيه جهالة انتهى. ذكره ابن عدى وقال: ليس بالمعروف وله أحاديث وأخبار وفيه بعض النكرة وفيها ما فيه تحامل على السلف".[19]
قال مقيده عفا الله عنه: فهذا حال قصة "يامحمداه"، التي قال فيها المخالف: "التوسل بالرسول والإستغاثة به كذلك مأثور عن الصوفية"، ومن المأثور عنهم كذلك عند القبور والأضرحة والمشاهد "الصراخ والصياح والعويل، على هيئة استغاثات وتوسلات وطلب الحوائج من الأموات". وليس هذا مأثورا عن النبي r ولا أصحابه y ولا التابعين لهم بإحسان، وإنما هو مقتبس من دين الرافضة.
الثامن: قال المخالف: "لله در التلميذ الذي ينهج طريق شيخه، بل يتعدّاه إلى فهوم ذوقية لأفعال الصوفية، فتجد مؤلفاته طافحة بما يعتقده ويأخذه عن شيخه، ولم نجد ولله الحمد من يرمي الإمام الحافظ ابن كثير بالشرك، أو يرميه بأنه داعية إلى الشرك أو أنه يعتقد إعتقادات شركية".
قال مقيده عفا الله عنه: هذا سفسطة من القول، فابن كثير لم ينهج منهج ابن تيمية كما زعم، وانما هو مجرد ناقل وليس بمعتقد، ولا يستطيع المخالف اثبات اعتقاد ابن كثير لماينقل البتة، وناقل الكفر ليس بكافر، كما أن ناقل الشركيات والبدع ليس بمشرك ولا مبتدع؟ وأسوق هنا بعض ما قاله ابن كثير في هذا الموضوع مما ينسف مذهب المخالف المتعالم من جذوره:
قال ابن كثير رحمه الله: "وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي r بتسويه القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام".[20]
وقال أيضا في ترجمة "الخضر بن نصر": "وترجمه ابن خلكان في الوفيات وقال: قبره يزار وقد زرته غير مرة، ورأيت الناس ينتابون قبره يتبركون به". فتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور".[21]
فأين هذه العقيدة السلفية التي أثبتها ابن كثير السلفي لنفسه، تلميذ إمام السلفية في وقته مما يريد المخالف القبوري إثباته له.




[1]) البداية والنهاية (10/331).
[2])  البداية والنهاية (14/135).  
[3]) المصدر السابق (14/136).  
[4]) المصدر السابق (14/139).
[5]) المصدر السابق (14/139).
[6]) البداية والنهاية (6/324).  
[7]) صححه الألباني في صحيح الجامع (ح 82).
[8]) لسان العرب (10/395).
[9]) تاريخ دمشق (5/312).
[10]) طبقات الشافعية الكبرى (2/35).
[11]) لسان الميزان (5/140).
[12]) لسان الميزان (5/230).
[13]) أخرجه البخاري (الجنائز ح 1242).
[14]) الحاوي للفتاوي (2/259 رسالة تنوير الحلك).
[15]) انظر مجموع الفتاوى (24/324)، اقتضاء الصراط (ص 378).
[16]) (2/281).
[17]) ميزان الاعتدال (2/327).
[18]) المغني في الضعفاء (1/292).
[19]) لسان الميزان (3/145).
[20]) البداية والنهاية (10/274).
[21]) المصدر السابق (12/307).