الخميس، 11 سبتمبر 2014

ابن تيمية يقول اباكم الذي في السماء

يقول الحبشي

الجــــــــــــــــــــــــــــواب

نقف مع النص الذي نقلته وقفتين :

الوقفة الأولى : تبين دلالته على دعواك .
والثانية : تبين موقف ابن تيمية من هذه القضية .

أما الأولى : فننقل النص كاملاً .

قال شيخ الإسلام أبو العبَّاس ابن تيمية :

((  والأمم كلها عجمها، وعربها تقول : إن الله عز وجل فى السماء، ما تركت على فطرتها ، ولم تنقل عن ذلك بالتعليم .
وفى الحديث : أن رجلا أتى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - بأمة أعجمية للعتق .
فقال لها رسول الله : أين الله ؟؟
قالت : في السماء .
قال : من أنا ؟؟
قالت : أنت رسول الله .
فقال : هي مؤمنة "، وأمره بعتقها ".

وقال أمية بن أبى الصلت :
مجدوا الله فهو للمجد أهل **** ربنا في السماء أمسى كبيراً
بالبناء الأعلى الذي سبق الناس **** وسوى فوق السماء سريراً
شرجعاً ما يناله بصر العين ***** ترى دونه الملائك صوراً

وصورا جمع أصور : وهو المائل العنق .
وهكذا قيل في حملة العرش : صور .
وكل من حمل شيئاً ثقيلاً على كأهله ، أو على منكبه ،لم يجد بداً من أن يميل عنقه .
وفى الإنجيل :" أن المسيح - عليه السلام – قال : " لا تحلفوا بالسماء ؛ فإنها كرسي الله ".
وقال للحواريين : " إن أنتم غفرتم للناس ؛ فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم كلكم ، انظروا إلى طير السماء ، فإنهن لا يزرعن ،ولا يحصدن ، ولا يجمعن في الأهواء ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقهم ، أفلستم افضل منهن ".
ومثل هذا من الشواهد كثير يطول به الكتاب" انظر حديث النزول – ضمن مجموع الفتاوى (5 /405).

بعد هذا النقل ، يتبين لنا أن ابن تيمية استشهد بما في الإنجيل على مسألة : أن الأنبياء جاءت بإثبات العلو لله تعالى شأنه ، وأنه تعالى في السماء .

إذا ابن تيمية هنا ناقل لهذا الكلام ، ليس مبتدئ به .

ثانياً : أن ابن تيمية قد وضح المراد بمعنى هذه الألفاظ بين الرب تعالى ، وبين عباده .

قال شيخ الإسلام أبو العبَّاس ابن تيمية – رداً على النصارى في رد هذه الفرية - :" والجواب من وجوه :

أحدها : أن تقول إن كلام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يكون إلا حقاً، وصدقاً، ولا يكون فيه شيء يعلم بطلانه بصريح العقل ، وإن كان فيه ما يعجز العقل عن معرفته بدون إخبار الأنبياء ، ولا يكون كلام النبي الذي يخبر به مناقضاً لكلامه في موضع آخر ، ولا لكلام سائر الأنبياء ، بل كل ما أخبرت به الأنبياء ؛ فهو حق ، وصدق يصدق بعضه بعضاً، وقد أوجب الله علينا أن نؤمن بكل ما أخبروا به، وحكم بكفر من آمن ببعض ذلك، وكفر ببعضه؛ فما علم بصريح العقل لا يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن الأنبياء، وما علم بالنقل الصحيح عن بعضهم لا يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن غيره، ولكن قد يختلف بعض الشرع، والمناهج في الأمر والنهي .
فأما ما يخبرون به عن الله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وغير ذلك؛ فلا يجوز أن يناقض بعضه بعضاً….

والجواب الثاني : أنا نبين تفسير ما ذكروه من الكلمات :

1- أما قوله على لسان موسى عليه السلام مخاطباً بني إسرائيل قائلاً :" أليس الأب الذي صنعك ، وبراك ، واقتناك ؟".

فهذا فيه أنه سماه : أباً لغير المسيح – عليه السلام – وهذا نظير قوله لإسرائيل :" أنت ابني ، بكري ، وداود ابني حبيبي".

وقول المسيح :" أبي وأبيكم ".
وهم – أي النصارى- يسلمون أن المراد بهذا في حق غير المسيح : بمعنى الرب لا معنى التولد الذي يخصون به المسيح .

الثالث : أن هذا حجة عليهم؛ فإذا كان في الكتب المتقدمة تسميته أباً لغير المسيح، وليس المراد بذلك إلا معنى : الرب ؛ عُلِمَ أن هذا اللفظ في لغة الكتب : يراد به الرب ؛ فيجب حمله في حق المسيح على هذا المعنى ؛ لأن الأصل عدم الاشتراك في الكلام .

الرابع : أن استعماله في المعنى الذي خصوا به المسيح إنما يثبت ؛ إذا عُلِمَ أنه أريد المعنى الذي ادعوه في المسيح ؛ فلو أثبت ذلك المعنى بمجرد إطلاق لفظ الأب؛ لزم الدور؛ فإنه لا يعلم أنه أريد به ذلك المعنى من حيث يثبت أنه كان يراد به في حق الله هذا المعنى، ولا يثبت ذلك حتى يعلم أنه أريد به ذلك المعنى في حق المسيح ، فإذا توقف العلم بكل منهما على الآخر ؛ لم يعلم واحد منهما ؛ فتبين أنه لا علم عندهم بأنه أريد في حق المسيح بلفظ الأب ما خصوه به في محل النزاع.

الوجه الخامس : أنه لا يوجد في كتب الأنبياء، وكلامهم إطلاق اسم الأب والمراد به : أب اللاهوت ، ولا إطلاق اسم الابن ، والمراد به شيء من اللاهوت، لا كلمته، ولا حياته، بل لا يوجد لفظ الابن؛ إلا والمراد به : المخلوق؛ فلا يكون لفظ الابن إلا لابن مخلوق .

وحينئذ فيلزم من ذلك أن يكون مسمى الابن في حق المسيح هو : الناسوت، وهذا يبطل قولهم : إن الابن، وروح القدس أنهما صفتان لله، وأن المسيح اسم للاهوت، والناسوت .

فتبين : أن نصوص كتب الأنبياء تبطل مذهب النصارى، وتناقض أمانتهم فهم بين أمرين :

1- بين الإيمان بكلام الأنبياء ،وبطلان دينهم .

2- وبين تصحيح دينهم ، وتكذيب الأنبياء، وهذا هو المطلوب ".

الجواب الصحيح (3/238-241)
المصدر